بقلم : حسن المياح …
وكيفية التعامل معه ومعها …
《 الإمام الحسين عليه السلام النموذج الحر الواعي الثائر 》
— الحلقة الثالثة عشرة —
- عرض نماذج تفسيرية جزئية للنهضة والثورة والتضحية الحسينية *
ولنباشر مناقشة تفسير جزئي آخر لقيام حركة نهضة وثورة وتضحية الإمام الحسين عليه السلام ، الذي يعتبر الحركة الحسينية بكلها وشمولها ، أنها تمثل حركة إنتحارية ، وعلى أساس هذا الإنتحار ، فإن الإمام الحسين قد خسر كل ما يملك ، وأنه قد أخفق وفشل ولم يحقق أي شيء من كل ما أراد …. ، وأن هذا عمل ساذج متهور جهول ؛ ولم يكن بالعمل الرسالي الواعي المدروس الذي يجب على الإمام الحسين أن يكونه ، ويتخذه ، ويعمل عليه …..؟؟؟
ولمناقشة هذا التوجه التفسيري ، يتحتم علينا تبيان وتوضيح بعض الأمور والمفاهيم المهمة والأساسية ، وخصوصآ التي لها مساس وإحتكاك بفكرة وإنطلاق نقطة شروع هذا التوجه التفسيري الجزئي لقيام حركة الإمام الحسين في نهضته وثورته وتضحيته ، ليتبين ، وليتوضح ، لنا سذاجة تصور هذا التفسير الجزئي ، من دسومته ، ومن يقول به ، ومن هو يحلل ويناقش حركة الإمام الحسين عليه السلام الجهادية الواعية العارفة موطيء محط كل خطوة يخطوها الإمام الحسين على أرض الواقع …. ؟؟؟…..
نقول في الإسلام حوار وجدال ، وهما الوسيلتان اللتان توصلان الى الحق ، والى النتائج الإيجابية الكبرى التي يسعى اليها …. وأن الرفق والعنف يحومان حول ، ويتخللان هاتين الوسيلتين وفقآ لمرحلة الواقع التي يكونان فيها حالة تباحث حوار ، وتجادل وصول الى نتيجة …. وعليه يكون من الأوجب والأحسن والأفضل والمستحسن تقديم الرفق أولآ في الحوار للوصول الى النتيجة ، وإذا تعذر الحال ، وإنسد باب الحوار ، وفرضت حالة الجدال أن تفتح بابها ليلج الحديث حومته من خلال إنفتاح باب المجادلة ، الذي غالبآ ما يسودها العنف والعصبية والتزمت بالرأي ، والذي يؤدي في أكثر الحالات الى القتال والحرب وفقآ لما هي طبيعة واقع المتحاورين ، فإن كانا فردين فهو القتال بينهما ، وإن كانا دولتين فالحرب هي الفاصل بينهما ….. وهذا المعنى قد أشير اليه في الآية الكريمة لما ينتهي الأمر الى القتال ( وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى ، فقاتلوا التي ابغي ، حتى تفيء الى أمر الله ) ….. . وعلى أساس هذا عمل الإمام الحسين عليه السلام ، فإنه حاور عمر بن سعد حول تسوية الأمور بالطريقة التي لا توصل الى الحرب… ، ومن باب النكتة الساذجة التي تدس وتضاف من أجل قضاء حاجة من يدسها ويضيفها ويتوسلها ، نذكر الأطروحة الشيطانية الهزيلة المباغتة التي دست تلفيقآ على أنها تم تناولها في أثناء الحوار بين الإمام الحسين وعمر بن سعد ، كما تدس الإسرائيليات في تفسير إيات القرآن الحكيم الكريم ، وقد كذبها الكثير من المؤرخين ، وقالوا بعدم وجود من مثل هذه الوثيقة التي تثبت وقوعها وصحتها ، والأطروحة هي ( أن الإمام الحسين قد قبل العرض في أن يضع يده في يد يزيد ) ، والحقيقة أن الإمام الحسين يرفض مثل هذا العرض المذل الشائن المنكر رفضآ رساليآ مؤمنآ عزيزآ كريمآ شجاعآ باسلآ قاطعآ …….. . ويذكر أيضآ أن إبن زياد — كما حدث عمر بن سعد — قد تدخل في حسم موضوع هذا الحوار ، وأنه أرسل الى الإمام الحسين ، الحر بن يزيد الرياحي ليطرح عليه فكرة حل سلمي كما يسمى في الحوارات السياسية القائمة هذا اليوم ، وفق ما يراه عبيدالله بن زياد ، وتلبية لأمر سيده يزيد بن معاوية ، وكان مضمون هذا الحل السلمي هو أن ينزل الإمام الحسين عليه السلام على حكم عبيدالله بن زياد وحكم يزيد بن معاوية . وأكيدآ هذا الحل الفارض الجابر العنيف المفروض ، والذي يسمى إيهامآ وتورية باطلة مجرمة بالسلمي ، أنه لا خيار معه غيره ، وأن الإمام الحسين عليه السلام هو رافضه من الأساس ، لأن حكم يزيد هو حكم منحرف عن خط إستقامة حاكمية《 عقيدة لا إله إلا الله 》التي خرج الإمام الحسين مجاهدآ من أجل تمكينها ، وتحكيمها ، والحفاظ عليها ، وصيانتها . وهذا ما دعى الإمام الحسين عليه السلام أن يطلق مقولته الشهيرة 《 ألا وأن الدعي إبن الدعي قد تركني بين إثنتين: بين السلة والذلة ، وهيهات له ذلك . هيهات منا الذلة ، أبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون 》….. ، ودوى صوته الجهور العالي الصارخ كذلك بمقولته المؤمنة الرسالية الخالدة الشجاعة المستبسلة التي أفصحها قولآ جهورآ واضحآ《 لا والله … ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر لكم إقرار العبيد 》 ، لما في نزوله عند رغبة وأمر يزيد ، من ذلة ، وهوان ، وضعف ، وباطل ، وإقرار عبودية لمن هو بشر منحرف عن خط إستقامة عدل وفروسية وشجاعة وإستقامة 《 عقيدة لا إله إلا الله 》 ….
فالإمام الحسين عليه السلام حاول بكل الجهود الحوارية والجدالية أن لا يوصل الأمر الى الحرب على شرط أن لا يذل هو الإمام الحسين ، لأن إذلاله يعني إذلال وضعف ووهن وبطلان عقيدة لا إله إلا الله أن تكون هي الحاكمة الوحيدة التي لا تنافسها أي حاكمية أخرى بشرية ، وكل ما يفرزه ذهن الإنسان من آطاعة إلوهية حاكمة مصطنعة ، وعلى أن لا يفرض عليه شأن يشرعن ، ويصحح ، ويجيز ، إستمرار وديمومة إنحراف حكم يزيد ، والحاكمية الأموية المغتصبة للخلافة لما لا حق لها فيها ….. ولذلك آثر الإمام الحسين الحرب على ذل القبول بالإنصياع ، والرضوخ مهانة وجبنآ وإستعبادآ لحاكمية يزيد الكفر والفجور والخنا والإنحراف التي تفرض عليه فرضآ إصرارآ متعنتآ سفيهآ من قبل حاكم مجرم جاهل سفيه مغتصب من مثل يزيد بن معاوية الأموي ، الشارب للخمور ، واللاعب مع القرود ، والغاطس الى قمة هامته في مستنقع الكفر والرذيلة ، والفجور والزنا …..
أهذا في《 عقيدة لا إله إلا الله 》، ووفق المقاييس الرسالية الإيمانية القرآنية ، هو ( إنتحار ) …. ؟؟؟ …. ؛ أم هو أداء وتلبية فريضة《 جهاد 》إسلامي مؤمن رسالي حكيم ، لحماية《عقيدة لا إله إلا الله 》إعتقادآ … ،وإيمانآ … ، ووعيآ … ، وتطبيقآ عمليآ سلوكآ رساليآ على أرض الواقع ، وبين الناس ….. ؟؟؟ !!!
الإنتحار هو يكون نتيجة اليأس الذي يصيب الإنسان التائه اللامنتمي الى ما هي موجبات عقيدة لا إله إلا الله في التحكيم ودراسة وموازنة الأمور والقضايا التي تحيطه ، والتي هو فيها ، ويصعب وينسد بوجهه الطريق بالخلاص منها ، لذلك هو يلتجيء الى الإنتحار كوسيلة حل لما هو فيه من ظرف صعب عصيب ، ووجود حال يائس يابس جامد ، لا حراك فيه نحو الإختيار ، كما يظن هو المنتحر من خلال تقييده لعقله في أن يفكر ، ولذهنه في أن يتوسع إنفتاحآ لما هي الحلول ويشمل ……
إن في تحقيق وتمكين حاكمية رسالة《 عقيدة لا إله إلا الله 》والحفاظ عليها ، ومداراتها ، وصيانتها ، من كل إنحراف ولوث وعبث وإستغلال باطل وإستعباد بشري هابط ناقم ، وما الى ذلك من إستفادات فاسدة مجرمة باطلة ، وتوسلات براجماتية مكيافيلية ناهبة حقيرة دنيئة سافلة ، لما يكون الرفق في الحوار هو الوسيلة لحل المشكلة والقضية ، والمؤدي الى نتيجة إيجابية بصالح الإسلام ورسالته التوحيدية الحاكمة الخالدة ، فيجب على الإنسان المؤمن الرسالي أن يتخذه الوسيلة ، وإلا فهو خائن ، لأنه لم يعمل لمصلحة رسالة الإسلام ؛ وإنما هو يعمل لأجندته الخاصة بتصرف براجماتي مكيافيلي مستأثر لمنفعة ذات على حساب مصلحة الإسلام ورسالته التوحيدية الخالدة ….. .وأما إذا تطلب أمر الحوار أن يتخذ العنف بدلآ من الرفق وسيلة للتحاور المتجادل وأنه العلاج للمشكلة والقضية ، لما يكون جو الحوار مشحونآ بفرض الرأي الدكتاتوري المستبد المتعصب ، وبالتشنج ، وبالتصلب ، وبالميل للرأي الذاتي المتسلط الحاكم الناقم الذي يجب هو أن يكون … وأن الطريق قد أصبح مسدودآ مقفلآ لا أمل في إنفتاحه ، ولا مجال للرأي الآخر أن يشارك ويحاور ، فإنه يتوجب على المؤمن الرسالي الواعي الحكيم ، أن يتخذ من العنف وسيلة حل ، ولا يجبن ، ولا يتخاذل ، ولا يستسلم ما دام في الإستسلام الذلة ، والمهانة ، والإقرار بالعبودية للحاكم البشر المنحرف ، والمؤدي الى ذهاب عنفوان الرسالة التي خرج من أجل تمكينها وحمايتها والحفاظ عليها وصيانتها ، وهي رسالة عقيدة لا إله إلا الله ، وإن كان العنف قد فرض عليه وسيلة تعامل …. ، وإلا فإنه خائن وجبان ومتخاذل ، لأنه لم يعمل لمصلحة الإسلام ؛ وإنما هو يعمل لسلامة وجوده الفردي الضئيل على حساب عنفوان مصلحة الإسلام ….
حسن المياح – البصرة .