بقلم : حسين الذكر ..
في مرآب صغير لسيارات الأجرة الخاصة والعامة وقفا معاً ، وبعد أن مد الشاب يده في جيبه واخرج مبلغاً من المال أعطاه للحزين .. بما يكفيه للوصول الى داره ،وقال له :
ــ ياعم سأ شرح لك بايجاز ، ما يتطلب منك عمله كإحدى أهم الخطوات اللازمة لمساعدتك على التغيير التي ارجو أن تتمكن من الالتزام والنهوض بها .
ــ إني مصغ اليك هاتِ ماعندك فقد اشتقت لسماع رأيك .
ــ أول ما تصل الى أهلك وتطمئن على عيالك ، حاول أن تنتزع منهم الموافقة على أي خطوة ستخطوها لاحقاً ، وضرورة إعلامهم أن كل ما تقوم به لأجلهم .
ــ اطمئن انهم لم يعارضونني ابداً .
ــ حسناً سأبدأ اذن معك الخطوة الاولى ، التي ستكون مقدمة لخطوة لاحقة اكبر ، لكن الثانية تتوقف على تنفيذ الأولى ، وعليك أن تبيع كل ما هو فائض لديك من أثاث أو أي أدوات منزلية غير ضرورية ، عليك أن تجمع أي مبالغ نقدية ، بع كل ما استطعت إليه سبيلا !
ــ اوووو – انك حقاً تفاجئني .. لم أتوقع منك طلباً كهذا ، ثم إنك تعلم نحن الفقراء لا يوجد لدينا فائض عن الحاجة ، وكل ممتلكاتنا عبارة عن الحد الادنى للمستلزمات والحاجيات الاساسية والضرورية لديمومة الحياة ولو بشكلها الصعب والمقدور عليه.
ــ إسمع يا عم .. التغيير ليس أغنية ترددها الشفاه ، ولا هو مثل يضرب متى ما نشاء ولمن نشاء ، ان التغيير فسلفة وعمل استراتيجي شاق وقد يتطلب التضحية والصبر على كثير مما لا نتحمله وذلك كله لاجل غاية أسمى نسعى اليها ، نحو مستقبل أفضل .. عليك أن تبيع كل ما تطاله يداك ، لا تبق إلا ما هو ضروري لممارسة أدنى متطلبات المعيشة والممارسات اليومية .
ــ هذا فضيع ويكاد ينفجر منه رأسي ، وأي عاقل لن يقبله مني!.
عندها قال الشاب بلهجة متصاعدة يشوبها الغضب والعصبية :
ــ إن الأمر في غاية البساطة ، وما هذا الذي تهذي به ، إلا ترسبات ميتة في داخلك وهي جزء أساس من كيانك الذي لا تستطيع على ما يبدو مغادرته مع انك تتبجح بالكثير من الجمل الإيمانية التي ستبقى فارغة المحتوى والمعنى ، إلا من الكلام الرنان . ثم عليك ان تخبرني بجواب قاطع ، لا يقبل القسمة على اثنين ، هل ترغب بالتغيير وهل تحب ان أبداً معك .. هل عندك الإستعداد الكامل للمواصلة وتحمل المسؤولية ام لا ؟
تنفس العم عميقاً ،اوثنى يديه على خاصرته ، ثم فاح منه زفيرا حارا كاد يحرقهما ، وقال :
ــ إني موافق وأمري الى الله وليقدم ما فيه الخير !
فرح الشاب كثيراً بهذه الموافقة وقبّل رأس العم ثم قال :
ــ عندما تصل الى البيت ، إبدأ العمل فوراً وانتزع موافقة عائلتك وانجز ما اتفقنا عليه ، وسأتصل بك غداً مساءا بالهاتف ،وابلغك الخطوة التالية التي ستكون مفاجأة سارة جدا لك ولعيالك وتمثل نقلة نوعية في حياتكم ، شريطة ان تكون قد انجزت الخطوة التي قبلها .
ــ إطمئن .
ــ سأكون عند حسن ظنك انشاء الله .
ــ حسناً وداعاً وأنا تواق لرؤياك ولقائك ثانية !
انهمرت دمعة من عين العجوز غطت تجاعيد وجهه ، ثم ودعه قائلا :
ــ وداعاً يا ولدي وسأنتظر اتصالك غداً على أحر من لهيب النار !
ــ صعد العجوز سيارة الأجرة ) التاكسي (التي أخذت تشق طريقها في الظلام ، فيما راح الشاب يتباعد بخطوات سريعة .