بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
أنا حتى الآن، وعلى الرغم من بلوغي السبعين، ينتابني شعور بالخوف والقلق كلما مررت بنقطة للتفتيش، أو بمركز من مراكز السيطرات المنتشرة في الطرق الخارجية. لقد توارثنا الخوف منذ زمن بعيد، وتغلغل في نفوسنا، وتراكمت رواسبه في تجاويف عظامنا. .
عندما كنا صغاراً في المدارس الابتدائية كان المعلم يوجه لنا اسئلة غامضة، لا نعرفها، وليس لدينا لها أجوبة، فيمارس هوايته بجلدنا وانزال جام غضبه علينا، فنضج بالعويل والصراخ، ويغمى علينا من شدة الخوف. وفي مرحلة الدراسة المتوسطة كان طلاب الاتحاد الوطني يجدون متعة كبيرة في كتابة تقاريرهم الكيدية ضدنا، واحياناً يسألنا رئيس الاتحاد: هل انتم مع (اتحاد الطلبة)، أم مع (اتحاد الطلاب)، والحقيقة انني حتى الآن لا أجد فرقاً بين الطلاب والطلبة. ولا فرق عندي أيضاً بين (بيض الخعفق)، و (فرخ الخعنفق). .
وصلت الآن الى نهاية الطريق، أخاف من تساقط أسناني حتى لا تنهار أعمدة بيتي، أخاف من كل شيء حتى لو كان باقة من ورود التوليب. ولا استطيع التجوال في دروب مدينتي من دون أن يرافقني ظلي. .
في السبعينيات كنت اهيم على وجهي في العراء باحثاً عن العزلة، وعندما أعود إلى بيتي كنت أقضي وقتي كله في حوارات طويلة مع هواجسي، جالساً وحدي في غرفتي، وأحياناً مع أصدقاء لم يكونوا في الحقيقة، موجودين قطّ. .
ظلت جواسيس الحجاج بن يوسف الثقفي تطارد اجدادي، وتسحق عظامهم في مقبرة وادي السلام، وظلت صورة ناظم كزار ترعب قوافل السائرين نحو كربلاء لقراءة تائية دعبل الخزاعي. .
أنا رجل خائف، لكن النواب والوزراء والقضاة والاطباء النفسانيين أكثر خوفاً مني، حتى رجال الأمن في هذا العصر باتوا يخافون من عودة الجزارين في جيش بلا رؤوس أوله في خمسميل وآخره خلف خرائب المطعم التركي. .
وأشمّ رائحة المكيدة، وأرى مؤامرة لها شكل الأخوّة والعقيدة. .
ورحم الله البردوني. . .