بقلم: جمعه عبد الله ..
تجربة التسلق على قمة الشعر العربي الحديث، لم تتوقف عند الشاعر السماوي الكبير، فهي عملية متواصلة في التكامل الخلاق وفي الابتكارات المتجددة، بأطر حديثة في الشكل والمضمون، بتطور نوعي في جمالية مكوناته، التي تستمد خاماتها الشعرية، من معطيات الواقع وافرازاته الدالة، في عمق الاحساس الصادق بكشف صيرورة الواقع بظواهره المحسوسة واللامحسوسة، هذه الأسلوبية الشعرية تقدح الذهن بشحنات من التفكير والتأمل، ان يضع صورة مشاهد الواقع التصويرية على حقيقتها، دون رتوش تجميل، ولا مبالغة وتكلف في سبيل خداع القارئ والمستمع، يستمد المفردات من واقع الحال على عيوبها ومطباتها. من اجل تكوين المشهد التصويري المتكامل، وهذا يمثل تطور في الأدوات الشعرية، التي تملك إيحاءات عميقة وبليغة، في اكتشاف الظاهر والباطن، وهذه الصورة الشعرية هي حصيلة استلهام صور الواقع في مصداقية المضمون والمعنى الدال، فهي علاقة متبادلة بين التصوير الشعري، وإيحاءاته في الرؤية الفكرية، في تلمس المعنى ورؤيتها الخلفية، تحاكي هذه المنطلقات الأساسية (الأسلوب، والصياغة، والاستعارة والتشبيه والمجاز، والتخيل المدهش في الموهبة الشعرية)
نتلمس قالب الفني الشعري يصب في قالب المضمون وتعبيراته الدالة، في ثنائية سيميائية متقابلة بين الطرفين، أي سيميائية الفعل الفني الشعري، تقابله سيميائية افعال الواقع، التي خرجت عن المعقول والمنطق. أي نحن أمام صراع متبادل بين صوتين متقابلين في المحاججة والمجادلة. الصوت الأول الذي تنكر وكفر بالعدل الإلهي، واستحوذ على كل شيء، الياقوت والذهب والدولار والجاه والنفوذ، اي باختصار شديد امتلك الجمل بما حمل. والصوت الثاني، صوت حرم من كل شيء سوى من الوجع والأنين والمعاناة، صوت المحرومين والمظلومين الذين لا يملكون حتى الكفاف العيش البسيط. أي أنه صراع شرس في جدليته، بين السارق والمسروق، بين الناهب والمنهوب. أي بين المتخم الى حد اللعنة والبطون الخاوية الى حد اللعنة. هذا الجرح العميق لا يتحمله جسد العراق، انه اكبر من طاقة تحمله، وهو الانزلاق الخطير نحو الانحدار الى الأسفل في سلم الحياة وسلم المعيشة. يصوغ هذا الصراع الذي شذ عن المعقول والمنطق، في جمالية والهام شعري متألق في إبداعاته وابتكاراته على خلفية مستجدات الواقع، في بلاغة لغوية وشعرية جذابة تتذوق فيها الاحساس الجمالي الشعري والتعبيري، توظف امكانية براعة التشبيه والمجاز في البنية الشعرية ومنطلقاتها الدالة، في الديوان الشعري (جرح اكبر من الجسد) يشتغل ببراعة في بشكل خاص بالهم الوطني والإنساني، ولكن يدلل بأنه لا يمكن الوقوف بين الجانبين، بموقف المتفرج والمحايد أو الوقوف على التل، وهو يجد أن العدل الإلهي يطمر في الوحل. يجد القيمة الإنسانية تتدهور الى الأسفل. ولابد من اتخاذ الموقف الحاسم بين قطبي الصراع. اما هذا، أو ذاك، ولا يمكن مسك العصا من المنتصف.
1 – مفتاح الازمة:
هو الانزلاق نحو البؤس والمعاناة، هو بداية الخداع والدجل والاحتيال، حين لبست الثعالب السياسية الماكرة ثوب الدين والتقوى والايمان والزهد، فصدقتها الرعية ووضعت سلة ثقتها بهم، ووضعت تحت تصرفهم بيت المال وميراث الأمة والبيعة. وكانت الطامة الكبرى حين نزعت جلد الحمل والنزاهة وبانت عوراتها للقاصي والداني، وكشفت وجه اللص الشيطاني المخادع.
- من قصيدة: ربنا قد أظلم الصبحُ.
ربَّنا
إنا سمِعنا
هاتفاً يهتفُ بالعدلِ الالهيِ
فصدَّقنا كلامهْ
فمَحَضناهُ خُّطانا
ومفاتيحَ بيوت المالِ
بايَعناهُ للامرِ وليَّاً
وخصصناهُ بميراثِ الامامةْ
ثمَّ لما أكمَلَ البيعةَ
باعَ الصُّحفَ الاولى
وأرخى لليواقتِ والدولار والجاهِ
لجامَهْ
ربَّنا
قد أظلمَ الصبحُ
فلا نعرفُ
هل أنَّ ملاكَ العدلِ في القفطانِ ؟
أم أبليس أخفى في الجلابيبِ
غُلامهْ
- مفتاح الاستغاثة بالرموز الدينية المقدسة: القرأن والانجيل والائمة المعصومين (الامام الحسين والامام المنتظر صاحب الزمان) في سبيل الإنقاذ والفرج من أزمة الواقع المخيب والمحبط. فالإمام الحسين نبراس الشعوب المظلومة في التحرر والخلاص من الظلم والطغيان.
- من قصيدة: يا سيدي الحسين
فدىً لتـرابِ نعلِكَ يا إمـامـي
أنا.. وأبي.. وأمي.. والبنونُ
أخفتَ الموتَ حتى خرَّ ذُعراً
فأ نتَ الحيُّ والموتُ الدَّفينُ
جهـادُكَ آخِرُ الآياتِ خُطّـتْ
بنور العرش سُورَتُها ” حُسَينُ “
فأنتَ لكلِّ ذي عزمٍ حسامٌ
وأنتَ لكلِّ مذعورٍ حُصونُ
أبا الأحرار هلّا قمْتَ فينا
فقد عمَّ البلاءُ.. ولا مُعينُ
ولا “حـُرٌّ ريـاحيٌّ” فيُفدي
ولا العبّاسُ والقدّيسُ “جُونُ”
- الاستغاثة بصاحب الزمان الامام المهدي المنتظر (ع):
في بارقة أمل وانقاذ عند الناس، بأن هناك مقولة تقول: عندما يطمر العدل الالهي في التراب، ويصبح ناموس الحياة الظلم والطغيان والفساد، عندما تكون عقيدة أولياء الامر والجاه والنفوذ عقيدة السلب والنهب، عندها يظهر الامام المنتظر، ليعيد العدل الالهي الى استقامته، ويطمر الظلم الطغيان والفساد.
- من قصيدة يا صاحب الزمان.
ياصاحبَ الزّمانِ
لو يملكُ
أنْ يهربَ من ساستِهِ عراقُنا
أو
يطلبَ اللجوءَ في الأوطانْ
لفرَّ من ساستِهِ..
يا صاحبَ الزّمانْ
دمُ الحسين باتَ حِبراً
للشعاراتِ التي تخجلُ من ريائِها
الجدرانْ
يا صاحبَ الزّمانْ
أُخرجْ
فقد أوشكَ أنْ يكفرَ في عراقِنا
الإنسانْ
- الاستغاثة بالرموز التاريخية، ورموز عقلاء الحكمة (صوفائيل)، التي تركت بصماتها بحكمة العقل والصواب، او رموز الفعل الثوري الملتهبة بالاقدام والعزيمة والإرادة، التي أشعلت شعلة النهوض والاحتجاج والحماس في نفوس الجياع والمحرومين، أن يأخذوا الحق بأيديهم ولا ينتظرون منحة من السماء، في الهجوم على ناكري الحق وغاصبي اموال الفقراء. لا خلاص من العبودية إلا بالنهوض، ونهوضهم لا يخسروا شيئاً سوى كسر اغلالهم، لو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً، لما أقدم على الظلم. فلا يمكن ان يستقر الحال في ظل ناهبي الذهب والياقوت والدولار، ومغتصبي الجاه والنفوذ إلا بثورة ( ابا ذر الغفاري ) سيكون مصيرهم شذر مذر، ويتحولون الى فئران مذعورة تفتش عن جحور لسلامة جلدها.
- من قصيدة: رؤيا.
وأرى تنانيرَ الجياعِ
تكرُّ بالجمرالجحيمِ
على قصورالمُتخمينَ
أرى الذئابَ تفرُّ
تستجدي السلام من الظباء المستباحةِ..
والحمائم بعد غربتها تؤوبْ
وأرى طواويسَ المدينةِ
تخلعُ الريشَ الملون..
تستعيرُ من القنافذِ جلدَها..
ولحى الذقون المستعارةِ
من براميلِ القمامةْ
وأرى أبا ذر الغفاري
شاهراً سيفاً بوجه الاولياءِ الزورِ
تتبعهُ ملايينُ الجياعِ..
وعروة بن الورد ممتشقاً حسامهْ..
أهي القيامةُ ؟
قال عرافُ المدينةِ
أن للدنيا قيامتها التي تفضي
الى يوم القيامةْ
3 – العجب في عراق العجب:
كل شيءٍ مقلوب، الحق مكسور الظهر، والباطل منتصب القامة، والميزان مفقود في حقول الدهر المخيب. فلا عجب ان يكون النهب والسلب دين وعقيدة، فلا عجب في عراق العجب. الزفت يكون مسؤولاً عن الياقوت والذهب والدولار. واللص أمين الصندوق. والداعر أمين الشرف والنزاهة، وتاجر النخاسة الناطق بأسم الدين. ومجهول النسب مسؤولاً عن شؤون الناس، فما عجب في عراق العجب ؟.
- من قصيدة: ما العجبْ؟.
ما العجبْ
أن يكونَ الزفتُ
مسؤولاً عن الياقوتِ
في سوق الذهبْ؟
نحنُ في عصرٍ
به اللصُّ أمين المالِ
والناطقُ باسم الدينِ
مجهول النسبْ !
ما العجبْ
إنْ غدونا ورقاً
في موقدها
محض حطَبْ ؟
……..
…….
لا عجبْ
نحنُ منْ جاء الى القصرِ بمنْ
هبَ ودبْ
فحصدنا من حقول الدَّهر
سوء المنقلبْ !