بقلم: هادي جلو مرعي ..
على غير عادته في مثل هذه الظروف الإستثنائية، وحتى في ظروف العمل في الجامعة خرج الأستاذ بسيارته مع شروق الشمس متوجها الى أحد الأسواق الشعبية القريب من منزله الذي يزوره أحيانا، لكن في وقت مابعد الظهيرة، أو قبيل غروب الشمس لشراء حاجياته، من اللحوم والأسماك والخضار والفواكه واللحوم والخبز، وكانت بغيته هذه المرة، وبينما الشوارع تخلو من المارة والسيارات، وكورونا يحلق فوق المنازل المكللة بالرعب أن يبحث عن نوع من السمك متوسط الحجم، لاهو بالصغير، ولابالكبير، عوان بين ذلك، وكان من طموحه أن يشتري لحم رأس خروف بناءا على رغبة صديق له.
كان السوق للتو قد فتح للمتبضعين القلائل مع محال فتحت ابوابها، وهي ايضا بعدد أصابع اليد، وكان التعب والنعاس مايزالان يرافقان الباعة، وبعضهم تعلوه كآبة مقنعة بإبتسامة منافقة لجلب الزبائن القليلين في تلك الساعة من النهار، مع الحظر والوباء، وعطلة العيد الرتيبة، وقد سأل عن قصاب، وكان المتوفر محال لبيع لحوم الأبقار، فقرر شراء بعض السمك والبطيخ وأعجبه بصل (حائل) فإبتاع أربعة كيلو غرامات منه، وقد اثار حزنه أنه رأى الإرهاق والنعاس في وجوه الباعة الذين ربما تمنوا لو انهم ظلوا في الفراش، ولم يغادروا منازلهم، لكنها قسوة الحياة، والحاجة الى كسب القوت، كان بائع الخضار مرهقا بعض الشيء، وكانت لحيته كثة، وشعره غير مصفف، بينما شقيقه غير راغب في التعامل مع البطيخ الذي ترنح مع الميزان وهوى على الأرض قبل أن يعيده الى موضعه.
في سوق شعبي ثان لايبعد كثيرا عن الأول دله الباعة على محل لبيع لحم رأس الخروف، وظل يبحث عنه حتى إهتدى إليه في آخر السوق، وكان محلا باليا الى جواره محال تهاوت من القدم، وهي غير مستغلة، تبدو كقبور قديمة مهملة، تناوشتها عوامل الزمن، وكان بعض النسوة يجلسن ينتظرن أن يجهز لهن البائع رؤوس الخراف بعد أن يضربها بالساطور، وبعد أن تكون وضعت في ماء ساخن، وأزيل عنها الصوف، وتعامل معها بالنار. كان التعب باديا على البائع ومساعديه، وبدت المحال الأخرى متهالكة، والعاملون فيها منهكين، لكنهم يغالبون الإرهاق.
وضع البائع رأس الخروف مع الأرجل في كيس، وناوله إياه، لكنه لم يع إن صاحبنا الأستاذ غالب دموعه، وتأمل لو أنه لم يصل الى هذه المرتبة، كيف كان سيعالج شؤونه، وماهي المهنة التي كان ممكنا له مزاولتها ليعيش؟ فالناس تعاني كثيرا لتضمن أن تعيش بكرامة، وهي كرامة ليست حقيقية، وقد تكون وهمية.