بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
صارت ايامنا ملبدة بسحب القلق، ومشحونة بأخبار الحروب والمعارك والاشتباكات والنزاعات الحدودية بين البلدان المتجاورة، والبلدان التي ظلت حتى وقت قريب تتنفس من رئة واحده، وتشرب من رحيق الاخوة والقرابة والجوار. .
صارت لغة المدافع والراجمات والطائرات المسيرة هي اللغة التي تتحدث بها فضائيات الشرق الأوسط وفي الشمال الإفريقي. . صراع مسلح بين الاخوة الاعداء في السودان، وفلول متمردة في اليمن، وانقسامات بركانية في ليبيا، ومواقف متشنجة في العراق، واحتكاكات حدودية بين إيران وأفغانستان، وخلافات متجددة بين المغرب والجزائر، وانتهاكات ديمقراطية في تونس، ودويلات هجينة في سوريا، وأزمات متوقعة جنوب لبنان، وقصف على الاحياء المدنية في غزة، وتوتر في كشمير بين الهند وباكستان، ومنظمات ارهابية وظلامية في كل مكان، وفقهاء وظيفتهم التحريض والتحفيز وإثارة النعرات الطائفية. في حين يستمر القتال بأحدث الاسلحة الفتاكة بين روسيا التي تقف وحدها وأوكرانيا المدعومة من دول النيتو، وتقف القوات الصربية على أهبة الاستعداد لاجتياح كوسوفو، بينما تنشغل الولايات الامريكية المتحدة بمناوراتها البحرية في مضيق تايوان. .
أحياناً ترعبك صور القوافل البشرية العابرة للبحار والمحيطات، والباحثة عن الملاذات الآمنة، والاساليب التعسفية التي تمارسها سلطات خفر السواحل في البحر الأبيض المتوسطة. .
لن تشعر بالأمن والاستقرار حتى لو كنت تعيش وحدك في اقصى قرية جنوب أستراليا، أو في غابة منعزلة من مقاطعة ألاسكا. لابد ان ينتابك شعور بالقرف والانزعاج كلما شاهدت التقارير المصورة التي تنقلها لك الفضائيات عبر شاشات التلفاز. .
لقد انتشرت سحب الموت والحروب في أجواء القارات، وباتت كل دولة تتباهى بأسلحتها التقليدية والبيولوجية والكيمياوية والسيبرانية والجرثومية والنووية المدمرة، وصارت لغة التسقيط والتلفيق والتشهير والتشويه هي اللغة المفضلة في معظم قواميس الاحزاب العربية والغربية. وعادت بنا عقارب الزمن إلى العصور الحجرية المتخلفة. وصدق الأديب الكبير (نجيب محفوظ) عندما قال: لكل عصر جاهليته، ونحن اليوم نجمع جاهلية العصور كلها. . .