بقلم : هادي جلو مرعي ..
كانت الأعلام القطرية ترفرف على جانبي طريق المطار، كان بدهيا أن نقرر إن المسؤول الزائر رفيع المستوى وهو من دولة قطر، لكن على العموم فقد كانت الزيارة معلنة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وجاءت بعد ساعات من زيارة قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى مصر، ولقائه بالرئيس السيسي، ووزراء في حكومة مصطفى مدبولي، وتخللها توقيع عدد من مذكرات التفاهم، وهو ماطبع زيارة الشيخ تميم الى بغداد، السوداني زار الأزهر الشريف، وإستقبل بحفاوة من الشيخ أحمد الطيب، فالمنطقة العربية والشرق الأوسط شهدا توترا طائفيا وعقائديا غير مسبوق، مع ظهور مجموعات متطرفة، وثورات وتظاهرات عنيفة وصدامات مسلحة في بؤر صراع متعددة، وليس خفيا الدور الذي يستطيع الأزهر الشريف القيام به الى جانب النجف ومكة، وحتى طهران وأنقرة وعواصم القرار في بغداد والقاهرة والرياض والدوحة للإنتقال نحو علاقات ذات طابع إقتصادي وثقافي وتنويري، وحساب كم الخسائر التي سببها التوتر الطائفي، ولانعرف مدى الخسارة التي تكبدتها المنطقة من جراء تلك التطورات الصادمة والمؤلمة، والتي تسببت بتعطيل حركة التنمية فيها.
حاول البعض التشويش على زيارة أمير قطر، لكن من المتوقع زيارات ذات شأن في المستقبل وربما تكون المنافسة الإقتصادية والسياسية دافعا طبيعيا نتيجة تحول كبير تشهده الساحة العراقية، وإنفتاح منتج لحكومة السوداني، ووجود رغبة عربية في التوجه نحو السوق العراقية الواعدة التي تتلهف لدخول شركات ومستثمرين خاصة بعد إجتماع وزراء النقل والخارجية في بغداد ضمن فعاليات طريق التنمية الذي قد يمثل تحولا إقتصاديا مهما للعراق والمنطقة، ومن هنا جاءت تحركات عدة نحو بغداد، ومثلت تلك العاصمة العتيدة حلقة الوصل بين طهران والرياض، وطهران والقاهرة، وهو ماأدى الى عودة التفاهمات بين المملكة العربية السعودية وإيران اللتين تبادلتا الوفود والسفراء وغادرتا الحملات الإعلامية المضادة.
لعب الشيخ خميس الخنجر رئيس تحالف السيادة دورا في دعم التقارب القطري العراقي أكثر، وسبق له أن مارس دورا في تحسين العلاقة بين بغداد وأنقرة لما يمتلكه من علافات مهمة على أكثر من صعيد، عدا عن علاقته المتميزة بقيادات إقليم كردستان، وهي علاقة ساهمت في تقريب وجهات النظر بين المركز والإقليم، وقد طبعت الواقعية السياسية مواقف الخنجر، وقيادات سياسية سنية تؤمن بنهج سياسي متوازن لايعتني بالأزمات بل بالتفاهمات المنتجة، والتي تتطلب وقتا لحل المشاكل، وكذلك جهدا كبيرا، وتحمل مصاعب عدة مع ضغط من الجمهور الذي لديه مطالب، لكنه يحتاج الى الصبر لإستكشاف طبيعة التحولات الجارية ودورها في تحقيق مكاسب إيجابية لهذا الجمهور الذي يهدأ ويغضب ويطالب وينتظر، فالتغيرات المحلية والخارجية لاتحتمل غير سلوك سياسي متوازن والتواصل مع الجميع ورفض التشدد بوصفه تأزيما غير منتج. الشيخ خميس الخنجر وقادة سنة معه ينهجون نهج الواقعية السياسية، فالسياسة في النهاية هي فن الممكن. الخنجر عمل منذ سنوات على الدفع بإتجاه علاقات متوازنة بين العراق ودول المنطقة وتكريس مبدأ الحوار والتفاهم والتلاقي وكانت علاقاته المتميزة مع المحيط العربي والإقليمي سببا في التحول في النظرة الى العراق وهي دبلوماسية ناعمة إنتهجها الخنجر في تحركاته الأخيرة، ونجح فيها الى حد بعيد حيث يستقطب تيارا سياسيا وفكريا نحو تأصيل الحالة العراقية البعيدة عن التوتر والمنافسة غير المجدية، والتكسب السياسي الذي يغلب على مصلحة الوطن.