بقلم : الباحثة الاقتصادية الأستاذة:- زهراء حيدر البطاط ..
باتت قضية الإصلاح الاقتصادي ضرورةً إستراتيجية ملحة وليست اختياراً يمكن للحكومة أن تنتهجه نظراً لتصاعد الاحتجاجات، و ارتفاع أصوات المنتقدين إزاء الهدر المالي من ناحية و اتساع مظاهر الفساد الإداري والمالي من ناحية اخرى.
لذلك عمدت الحكومة العراقية إلى تبني ما عُرِفَ بـ«الورقة البيضاء» التي كانت تهدف إلى إدارة الوضع المالي في ضوء الأزمة المالية، ووضع الحلول اللازمة لتحقيق الإصلاح المالي، وتحسين أداء المؤسسات المالية.
وضع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نص عليه قانون الاقتراض المحلي والخارجي رقم «5» لسنة 2020، بهدف إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لمواجهة التحديات المقبلة.
وتُعد أزمة سعر الصرف الحالية نتاجاً لتلك الورقة البيضاء وما أُثير بشأنها من خلافات سياسية و اقتصادية، فيتحجَّج كثير بأنَّ ارتفاع أسعار النفط كفيل بأن يدفع لإعادة سعر الصرف إلى سابق عهده
وتجادل الجهات الحكومية المخوَّلة وعلى رأسها وزارة المالية في أن الإسهام بتخفيض قيمة العملة يؤدي الى تقليل نسبة عجز ميزان المدفوعات ، فضلاً عن تأمين معاشات الموظفين، بالاضافة الى حماية احتياطات البنك المركزي العراقي من النقد الأجنبي.
وما بين انتقاد المعترضين ودفاع الحكومة، تثار العديد من التساؤلات عن مدى جدوى هذه الإجراءات ومدى جديتها في تحقيق الإصلاح الاقتصادي المنشود .
يستلزم الإصلاح الجذري إدارةً اقتصاديةً وطنيةً متمكنةً من ناحية.
مع وجود جهاز إداري في الوزارات يتسم بالطابع الوطني بعيد عن شبهات الفساد والمحاصصة من ناحية ثانية.
و كذلك يجب ان يستند العقد الاجتماعي إلى دستور معدَّلٍ أو جديد من ناحية ثالثة.
أن الشروع بالاصلاحات الاقتصادية الهدف منها توسيع القاعدة الإنتاجية وتأمين توزيع أكثر عدالةً للدخل والثروة وتنمية الموارد البشرية.
و كذلك العناية بالفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً، من هذا المنطلق تكون حاجة الاقتصاد العراقي إلى الإصلاح الجذري، وستتفاقم تكلفة هذا الإصلاح كلما تأخر التصدّي لها.
اذ يمتلك العراق ما يؤهله ليخطو باتجاه تحقيق اصلاح و تنمية اقتصادية، لكن الجانب السياسي هو الذي يتحكم بهذا المسار .
أن العراق ولسنوات عديدة اتسمت طبيعته وبيئته السياسية بعدم الاستقرار نتيجة للظروف الأمنية المتدهورة التي عاشها قديماً وحديثاً، فضلاً عن تحكم الأجندات الحزبية بالواقع الاقتصادي ومحاولات تطويعه لخدمة المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة ،إذ ما تزال تشكّل عقبة في مسيرة الإصلاح الاقتصادي المنشود.
-تحديات الاصلاح الاقتصادي في العراق :
يعتبر الاصلاح الاقتصادي في العراق من التجارب الجديدة والتي لم يألفها العراق من قبل فمن الطبيعي ان تلاقي هذه التجربة نظرا لحداثتها الكثير من التحديات والاشكاليات في التطبيق ويمكن ايجازها بالتالي :
1- غياب الامن واستنزاف الايرادات العامة في بناء القدرات العسكرية للجيش والقوات الامنية لمواجهة العنف والارهاب والتخفيف من أثاره بدلا من الاعمار والتنمية.
2 – غياب المساواة في الظروف والفرص بين الفاعلين الاقتصاديين في القطاعات المختلفة.
3- عدم وجود سوق في العراق تنطبق عليها شروط المنافسة ويمكن ان تعمل بكفاءة في توجيه الموارد الاقتصادية .
4- وجود تشوهات هيكلية في الاسعار والانتاج والانفاق والتشغيل والاستثمار والاستيراد والتصدير ومعظم المتغيرات الاقتصادية .
5- غياب الشفافية وتفاقم الفساد الاداري والمالي وتخلف أداء الادارات الحكومية.
6 – تفاقم العبئ الاجتماعي .
7 – الانتقال إلى اقتصاد السوق.
التوصيات :
1- إن البلد لايزال يعاني من هيمنة الدولة على كل شيء، مما تسبب في فقدان السيطرة بشكل عام.
فأن الوضع الأمثل في العراق هو بناء الاصلاح الوطني على قاعدة التعايش مابين القطاع العام والخاص.
اذ يجب ان تكون الريادة للقطاع الخاص مع عدم تجاهل القطاع العام، وأن لايكون لأي منهما هدفاً بحد ذاته، لان هذا يؤدي إلى عواقب وخيمة، وهذا الأمر يتطلب إزالة كل المعوقات أمام نمو القطاع الخاص والقضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالية مع وضع الكوابح أمامها للحد من تركيز الإحتكارات الكبيرة التي تدمر التوازن الإجتماعي، وتجنب المجتمع من الصراعات الطبقية بسبب التفاوت الذي يحدث نتيجة لأختلال التوازن بين الأرباح والأجور، مما تقلل وبشكل كبير من البطالة وتحد من الفقر بين صفوف المجتمع العراقي.
2-أن يكون برنامج الاصلاح الاقتصادي عملية شاملة، تهدف إلى بناء أسس جديدة للعلاقات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية كأساس لنفي التبعية الخارجية والحيلولة دون تفاقمها .
3-اعتماد توقيتات مرحلية لخطوات الإصلاح الإقتصادي في العراق تأخذ بنظر الإعتبار ما جرى تحقيقهُ من إجراءات وتأثير العوامل السياسية والإجتماعية الأخرى، وذلك بهدف الأستفادة من التدرج الزمني، للتغلب على الإرهاصات التي وقعت في المرحلة السابقة .