بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
هنالك خاطرة مأساوية تقول: من لم يستطع الفرار من ظلم الحكومات العربية يموت غرقاً في عرض البحر. فاليونان واسمها الرسمي الإغريق Greek، لديها سجل حافل بالانتهاكات الإنسانية، فقد خرج شعبها عن بكرة أبيه في مظاهرات عارمة اجتاحت ساحات العاصمة اثينا وضواحيها للاحتجاج ضد الحكومة الإغريقية التي تسببت قواتها الساحلية بإغراق قوارب المهاجرين والنازحين مع سبق الاصرار والتخطيط والتعمد. وذلك بتصرفاتها العدوانية والعنصرية المتوحشة. فخرج الإغريقيون بقواربهم المدنية (غير الحكومية) في طلعات تفقدية بحثاً عن الناجين، أو لالتقاط جثثهم الطافية على سطح الماء. فعثروا في اليوم الأول على 78 جثة قبالة شبه جزيرة بيلوبونيز. بينما أصبح مصير بقية المهاجرين الذين يزيد تعدادهم على 500 في حكم الموتى والمفقودين. ومعظمهم من السوريين والليبيين والمصريين. .
اعلن الشعب الإغريقي الحداد على أرواح الضحايا العرب، وطالب حكومته بتنكيس أعلامها حزناً وخزياً على ارتكابها جريمة إغراق القوارب. بينما لم تحزن شعوبنا العربية، ولم تذرف دمعة واحدة. ولاذت حكوماتنا بالصمت، اما فضائياتنا الغارقة في الكذب والتلفيق والتضليل فتعمدت التعتيم، وتجاهلت خبر الفاجعة، باستثناء القلة القليلة منها. .
ففي الوقت الذي كانت منصات التواصل العربية منشغلة بترند الشوكولامو والاتهامات المصرية الموجهة لدولة قطر بتجنيد القروش. كانت منصات التواصل العالمية تؤطر نوافذها بالسواد حزنا وألما على الاطفال العرب الذين اغرقتهم زوارق الحكومة الإغريقية. .
اما أغرب ما لمسناه على صعيد وزارات الهجرة والمهجرين في البلدان التي فقدت الفارين من جحيمها. فهو مواقفها المشتركة في إلقاء اللوم على الضحايا الذين تبعثرت جثثهم فوق السواحل الأوروبية. والذين أقامت لهم الكنائس التعازي والمواكب الجنائزية من دون ان يتعرفوا على أسماء الشهداء وهوياتهم. حتى السفن التجارية الكبيرة التابعة لخطوط الشحن الدولية، التي كانت متواجدة في المنطقة، اعلنت حالة الطوارئ، واستنفرت طواقمها للبحث عن الناجين والمفقودين. لكن هذه الكارثة المفزعة لم تتفاعل معها منظمات المجتمع المدني العربية. ولم تفكر حكوماتنا بتوجيه مذكرة احتجاج واحدة تدين فيها الممارسات الارهابية لخفر السواحل الإغريقية. في حين اتخذت المنظمات الإنسانية هناك موقفاً مشرفاً بإعلان تفاعلها مع الفاجعة. .
وبالتالي فان الحكومات العربية المعنية بالأمر اشتركت بدم بارد مع الإغريق في ارتكاب هذه المجزرة. .