بقلم: هادي جلو مرعي ..
يعتمد العراق سياسة يمكن وصفها بالمتوازنة منذ التسعينيات من القرن الماضي عندما تعرض الى أقسى حصار إقتصادي وعدوان همجي إستهدف أمنه الغذائي، وكان الهدف إضعاف النظام السياسي حيث أقر العمل بنظام الحصة التموينية التي كانت وسيلة ناجحة لتخفيف الأعباء عن المواطنين الفقراء تحديدا، وعامة الشعب الذين تقرر لهم أن يحصلوا على المواد الغذائية الأساسية كالرز والدقيق وزيت الطعام والبقوليات والشاي والسكر والمنظفات، وهي حصص ثابتة نظمت ببطاقة تضم أفراد الأسرة في سجلات وزارة التجارة العراقية التي أعتمدت نظاما يتيح إضافة الأطفال والمواليد الجدد، ورفع أسماء الذين يغادرون الحياة، وهو نظام إستمر الى غاية العام 2003 حيث وجدت الحكومات المتعاقبة إنه أسلوب جيد لحماية الأمن الغذائي للبلاد من الهزات الإقتصادية خاصة وإن العراق شهد إضطرابات، وفوضى، وأعمال عنف غير مسبوقة، وكانت المواد الغذائية المدعومة من الدولة غير منتظمة الوصول الى وكلاء الحصة التموينية التي صار يطلق عليها (السلة الغذائية) وقد تغير نمط العمل بها برغم التذبذب، وعدم الإنتظام في فترات سابقة لعوامل عدة لامجال لشرحها، وقد تكون مفهومة للعامة وللنخب في المجتمع وكانت التجربة سببا في النجاح المتحقق حاليا والمعتمد على وضوح في العمل والتعاقد مع الموردين الذين نجحوا في تلبية شروط حكومية في هذا الإتجاه وعدم تجاهل العمل المنظم.
شهدت السنوات الأولى من التغيير غيابا واضحا للسلوك الإداري الملتزم في مجال الأمن الغذائي الذي أحتجنا الى وقت ليس بالقصير لتجاوزه من خلال الأعتماد على طرق مبتكرة وواقعية تتجاوز العوامل السياسية وتأثيرها السلبي لإعتبارات منها إن على النظام السياسي تخصيص الأموال الكافية وتجاوز الروتين والعقبات الإدارية ومحاربة الفساد والإعتماد على شركات موردة لأصناف من الغذاء الذي لاغنى عنه لإستمرار الحياة وكان هناك رقابة حكومية إرتبطت بضرورة المتابعة الحثيثة للإجراءات الإدارية والقانونية والسلوك الوظيفي والتأكيد على توريد سلال غذائية ملائمة وفق مواصفات عالية الجودة حيث تتوفر بالفعل أموال لايمكن المساس بها لجهة ضمان توفرها كشرط للحصول على مواد غذائية ذات جودة عالية من دول وشركات معروفة بكفاءتها وقدرتها على تغطية الحاجات المتزايدة من المواد الغذائية التي تدخل ضمن مفردات السلة الغذائية المحددة لدى وزارة التجارة وشركاتها العاملة وفقا لمعايير معتمدة رسميا لايمكن التلاعب بها بالرغم من محاولات لزعزعة ثقة المواطن وصانع القرار تحت غطاء المنافسة التي تفتقد الى الموضوعية.
كان القلق يسود الأوساط السياسية والمراقبين من عدم القدرة على التفاعل مع المستجدات التي شهدها العالم بعد تطور أزمات دولية وتحولها الى حروب وإستمرار المشاكل التي تعيق مرور السفن وسلاسل الإمداد العالمية عبر المضائق المعروفة والقنوات المائية العالمية وعلى سبيل المثال فإن الحرب في أوكرانيا هددت توريد الحبوب والبضائع عبر البحر الأسود وموانيء أوكرانيا ومضيق البسفور بينما يسود التوتر مضيق تايوان نتيجة للسياسة الأمريكية ورغبة الصين في توحيد الصين وضم تايوان، بينما لم يتوقف عامل القلق المحيط بمضيق هرمز على إثر زيادة عوامل الصدام بين الغرب وإيران، ومايواجه قناة السويس من تحديات سياسية وأمنية دون إغفال المصاعب التي تعترض مرور البواخر عبر البحار المعروفة والمحيطات التي تعتمد كممرات دولية ومتفق عليها عالميا وفي هذه الأثناء كان النقاش يدور حول ماإذا كان بإستطاعة دول عدة تأمين الأموال الكافية لتغطية تكاليف شراء الحبوب من دول المصدر وتوريد المواد الغذائية التي تضمن للبلدان الأكثر فقرا تلبية حاجات مواطنيها وكان جيدا أن يرد إسم العراق بوصفه ضمن قائمة الدول التي يتوقع لها أن تتجاوز أزمة الغذاء العالمية وتتجنب الصدمات الإقتصادية وهو مايدفع لشعور متزايد بالثقة في الإجراءات الحكومية المتبعة خلال الأشهر الماضية والنجاح في الإجراءات المستقبلية.