بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
كان من أخلص الناس لاصدقائه وجيرانه وزملاءه في مراحله الحياتية، وكانت تربطه علاقات اخوية حميمة مع العاملين معه في محيطه الوظيفي. يتابع أخبارهم، يتفاعل مع مشاكلهم، يبذل قصارى جهده لتذليل مصاعبهم. وأحيانا يقدم المساعدة لكل محتاج حتى لو لم يعرفه، وحتى لو لم يطلب منه المساعدة. لكنه كان يصطدم بجحود الناس وقسوتهم. ثم يعودون إليه كلما ضاقت الدنيا بوجوههم، فيطلبون منه الدعم في مهام تفوق قدراته، وتفوق طاقته، ومع ذلك يخجل من الاعتذار، ويصعب عليه الرفض والاعتراض حتى لا يجرح مشاعرهم، وحتى لا يبدو كشخصٍ فَظّ ولئيم. فينبري لتنفيذ المهام الشاقة بروحه الرياضية وبلا مقابل، حتى عرفه القاصي والداني بطيبته ولطفه وشهامته. كان يضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاته الخاصة، ويعتذر بشدة إذا لم يكن قادراً على العطاء بالطريقة التي اعتادها. ولم يستطع التخلّص من اللطف الزائد الذي يستغلّه الانتهازيون. .
لم يكن ينتظر رد الجميل من أحد. فقد كان بفعل المعروف وينساه. لكن هذا المعروف كان ينقلب عليه شراً من الذين آزرهم ودعمهم ووقف معهم. . ترعرع (عبد الودود) الودود على مساعدة الآخرين، وكان يرى ان العطاء فضيلة، ويظن أن من يمد له يد العون، يرد له بالعرفان والمودة. لكن الزمن تغير للأسف الشديد. ولم يعد الناس بذلك النقاء والشفافية، فقد ضحلت الأخلاق، وبقي من تربى على فضيلة العطاء كما هو. يعطي ويساعد ولكن لم يعد هناك رد للجميل والعرفان. بل نكران وجحود وتجاهل. .
يختلف عبد الودود الآن عن (عبد الودود) المفرط بالشهامة والسخاء. . التقيته قبل بضعة أيام، فقال لي: (لن اسمح لأحدٍ أن يعاملني بمزاجِه المُتقلب بعد الآن. إما أن يعاملني بما يليقُ بي أو اتركه لمن يليقُ به. فأنا أضع كرامتي فوق رأسِي وقلبَي تحت قدمي. ليرحلْ من يرحَل من حياتِي، وليبقَ من يبقَ. ولن التفِتْ إلى الوراء. فإن كان وجودُهُم شَيءٌ فكرامتي فوق تلك الأشياء). .
وأخيراً اكتشف عبد الودود ان الحياة تتطلب الكثير من الصبر والصمت والتجاهل. .