بقلم: وسن الوائلي ..
كنا حين نتحدث عن سلوكيات الغرب وننفيها عن مجتمعنا إنما كان ذلك مرتبطا بالعادات والتقاليد والقيم التي نؤمن بها، وبعضها ربما إصطنعناه وكرهناه، ولأنه تجذر في مجتمعاتنا، وبعضنا ينتقده وينتقد آثاره ومساويه خاصة في شؤون المرأة التي تتعرض في الغالب لسلوك فوقي وصائي حمائي متطرف ومبالغ فيه، ويصل بنا الى أيام الجاهلية الأولى حين كانت العرب تئد البنات الرضيعات. ووصف ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى ( وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) حيث كان الرجل منهم يعمد الى الرضيعة ويحفر لها حفرة ويهيل عليها التراب فتموت خنقا وتنتهي الى الأبد وكانت الحجج الواهية إنهم كانوا يفضلون الذكور من المواليد ليكونوا عونا لهم في طلب الرزق وفي قتال بقية القبائل والرعي والزرع والمشاركة في هموم الحياة وكانوا يرون في الأنثى عالة على المجتمع ويجب التخلص منها حتى جاء الإسلام وحارب هذه الظاهرة الممقوتة مثلما حارب سواها من ظواهر كانت منتشرة في جزيرة العرب وحواليها، لكننا اليوم في مواجهة مختلفة فالصراع لم يعد لحماية العادات والتقاليد والقيم الخاصة بنا، إنما يتعداه اليوم الى القيم البشرية التي تتصل بالبشر جميعهم والذين يراد لهم أن يتركوا التوحيد ويبتعدوا عن الرب ويذهبون الى الشذوذ الفكري والأخلاقي والسلوكي والقيمي.
لم يكن الرجل حين يئد البنت الرضيعة يعلم شيئا عن الجندر، أو النوع الإجتماعي، وكان يؤمن كما هي الفطرة والحقيقة إن الذكر والأنثى يتقرران في الرحم في الأسابيع الأولى لا كما يتم الترويج له هذه الأيام من إن نوع المولود يتحدد لاحقا بالتجربة والشعور والميل الجنسي، وهو أمر نفاه القرآن وبقية الكتب المشهورة في الديانات الأخرى ويقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم مؤكدا على جنس المولود حين يتشكل ثم حين ينزل من رحم الأم الى الحياة الدنيا ويبتليه الله بمختلف البلاءات فيه، ويمتحن صبره على مصائب تلك الدنيا الفانية يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) الآية:13 إلى آخر السورة المباركة التي تضع حدا لترهات الفاسدين فكرا وقلبا، وبينما تتصاعد حمى المثلية الجنسية والشذوذ في ارجاء من العالم مختلفة ويتصاعد عند المنحرفين الرغبة في الدفاع عن هولاء الذين يتكاثرون ويسيطرون على العالم بل ويحكمون ويوجهون قراراتهم الى دول وشعوب لتركيعها حيث تنشط منظمات يديرها جهلة وجاهلات في الترويج لمفهوم الجندر ومايطلق عليه بالنوع الإجتماعي، ولكنه في الحقيقة يعبر رؤية غربية وثقافة دنية تهدف الى غسل العقول من الأصل، وتحويل المجتمعات الى مجتمعات مثلية منحرفة، ويقرر الإنسان فيها ماإذا أراد أن يكون ذكرا، أو أنثى، وهو قرار يتخذه الفرد بعد سنوات من ولادته ليسير في الحياة كيف يشاء حيث تضرب القوانين والعادات والتقاليد وترمى جانبا.
كتاب الجندر بفصوله المتعددة يمثل تهيئة لفعل لاحق ينطلق من تصورات الغرب عن العلاقات الجنسية والمجتمعية بهدف تدميرها، وتحويلها الى مجموعات مهجنة تستحل الأفعال الدنية، وتعدها سلوكا طبيعيا حيث يقول تعالى في وصف ماكان يفعله قوم لوط (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ* وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) ولسنا في سياق تفسير الآية حيث يتضح أن لوطا كان يدعو قومه الى عبادة الواحد الأحد وينهاهم عن القبائح التي كانوا يمارسونها وفي روايات إنهم كانوا إضافة الى الفاحشة كانوا يقطعون الطريق ويسرقون ويقتلون وكانوا يفعلون مايحلوا لهم ويسرفون في ذلك ولم يكونوا يقيمون إعتبارا للوط وللصالحين فدمرهم الله بدمار شامل لم يبق منهم أحدا وتدل الآثار والمرويات على عظم مانزل بهم من عذاب وهول ويحكي القرآن قصتهم، لكن التعدي اليوم لم يعد مرتبطا بقرية صغيرة قرب نهر الأردن والبحر الميت، بل صار كونيا متسعا شاملا ترعاه دول وحكومات ومنظمات مجتمع مدني، وتدفع له ملايين الدولارات وهناك ملايين تدفع لمنظمات محلية عراقية تعمل تحت يافطات المجتمع المدني، وتستقطب الرجال والنساء والمثقفين، وتدعو الى توسيع ونشر مفاهيم السلوكيات الغربية وليست المتصلة بمايخالف عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا بل تضرب بعرض الحائط الفطرة السليمة والطبيعة التي خلق الله الناس عليها، فيريدون أن يعمموا ثقافة التحول الجنسي وينفون أن الله هو من يحدد مسبقا نوع الجنين ذكرا كان أم أنثى ويحيلون ذلك الى قرار هو يتخذه مع النشأة والتجربة الحياتية ويعددون مزاياه ويؤسسون لمجتمعات مثلية لها ثقافتها وكينونتها وقدراتها بل ويفضلون المنتمين لها في قضايا التعليم واللجوء الإنساني والعمل والإمتيازات المادية والمعنوية.
الجندر سيتحول الى قانون كوني تلزم به حكومات وشعوب ويتم الضغط وبقوة لتكون دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ضمن خارطة العالم المثلية والملحدة والرافضة للأديان ولوجود الرب وقدرته المطلقة بل وسيعمل النظام العالمي الفاسد على ترهيب الحكومات التي لاتتحمس لهذا السلوك وهذه الثقافة ومنع المساعدات عنها وتحويل ذلك الى قوانين يجبرون على الإلتزام بها مستقبلا وماعلى العالم الإسلامي إلا تدارك ذلك بالتضامن وحماية التوحيد والفطرة وقيم الأسرة والعلاقة الطبيعية بين المرأة والرجل خاصة وإن الخطر يهدد الديانات والشرائع والوجودات القيمية وآثار الأنبياء وتراثهم الأخلاقي ولايقتصر على ملة أو طائفة خاصة وإن هذا الفكر الشاذ ينتشر ويتمدد في البلدان الداعية إليه وستكون هذه الدول وشعوبها من أول الضحايا لأن الهدف هو تدمير قيم الإنسان والذهاب به الى المجهول لسر يعلمه الداعون الى هذا السلوك المنبوذ ولايمكن فعل شيء في مقابل ذلك المد مالم يكن هناك تضامن طبيعي وعمل جاد وتثقيف ممنهج وتصورات علمية وليس سلوكيات إجتهادية عابرة لنطول كتاب الجندر وندفنه ونتخلص من فصوله كاملة لأنه عبء على عقولنا وأرواحنا وضمائرنا.