بقلم : فراس الغضبان الحمداني ..
يعاني الإقتصاد العراقي منذ سقوط النظام البائد عام 2003 وحتى الآن من إنهيارات مفجعة بغياب إستراتيجيات وطنية في التنمية الشاملة وفي مقدمتها الإقتصادية إنسجاماً مع مواد الدستور الذي وعد الناس بدولة رفاهية وإزدهار في شتى الميادين وأولها الإستقرار الإقتصادي .
إن هذا التدهور حتماً له أسباب كثيرة أولها ما ورثناه من بنية إقتصادية غريبة من النظام السابق تآكلت بسبب الحروب والحصار والقرارات المزاجية من القائد الضرورة وزاد عليها عدم وجود خطط حقيقية للتنمية في النظام اللاحق ولهذا تدهور القطاع العام وأغلقت المصانع والمعامل الحكومية والمشتركة أبوابها وتحولت إلى إدارات تقبض رواتب بدون إنتاج ويقال ذات الشيء على القطاع التجاري والزراعي .
وتحول بذلك العراق بكل مدنه إلى مجرد سوق لتصريف البضائع الرديئة وهي في الغالب من أسوأ المناشئ الدولية وتحول المواطن إلى مستهلك وغير منتج والدولة إلى مستورد وصرنا نستورد الرقي والبطيخ والخيار والطماطم والمكانس وحاويات الأزبال والمنظفات والقيمر والحليب ومشتقاته وأصبحنا نستورد حتى التمور السعودية والإماراتية رغم إننا كنا نملك 33 مليون نخلة في السبعينات تنتج مئات الأصناف التي يحسدنا عليها عربان الخليج ولكنهم اليوم يصدرونها لنا بعد إن سحقت الحرب العراقية الإيرانية بحدود 4 مليون نخلة من الفاو إلى أبو الخصيب وقضاء شط العرب والآلاف منها أرسلت إلى محافظة صلاح الدين بإيعاز من أحد رموز النظام السابق .
كل ما جرى معروف ومعلوم وأيضاً ما زالت الإجراءات غائبة والتدهور مستمرا وكأن عزاؤنا الوحيد إن الإحتلال رغم مساوئه إستطاع أن يحافظ على قيمة الدينار العراقي في سوق التعاملات الدولية ولكننا وبعد أن إستعدنا السيادة وأمسكنا بكامل الملفات ومنها العملات وجدنا أنفسنا تحت الإحتلال الإقتصادي من الدول المجاورة والبعيدة وهو من مافيات التجار والمضاربين فقد إنعكست الأزمة الإيرانية والسورية واللبنانية واليمنية على الإقتصاد العراقي وبدأت العملة العراقية تنهار بسبب تسريب العملة الصعبة إلى دول عديدة وبسهولة مطلقة عبر البنوك أو عبر الحدود المفتوحة والمشرعة وعبر حقائب كبار المسؤولين والمتنفذين ولا تخضع إلى تفتيش أو حساب ، وأصبح العراق ملاذاً للسوريين و البنغال وباكستان ، ولعل الأشهر القادمة ومع تصاعد الأزمة السياسية المحلية والإقليمية فأن الخبراء يتوقعون مزيداً من الذبذبة في صرف الدينار وهذا معناه إرتفاع أسعار جميع المواد الغذائية وينتج عن ذلك إنخفاض القدرة الشرائية لعامة المواطنين وليس المستوردين وهذا ما سيؤدي إلى حالة من التذمر ستنعكس على الوضع الأمني والإجتماعي .
وكذلك ظهور تعقيدات في كل مجالات الحياة ومنها أسعار العقارات والإيجارات والتي ستتفاقم بسبب تهريب العملة الصعبة من العراق وعودة أعداد كبيرة من العراقيين هرباً من الجحيم السوري واللبناني وربما ستليها هجرات من إيران وتركيا أو من المنافي البعيدة كلها ستؤثر على الدينار وسعر صرفه والمتوقع تعرضه إلى هزات كبيرة رغم تصريحات كبار المسؤولين في البنك العراقي عن سلامة الموقف ومتانة الدينار ووجود غطاء كامل من العملة الصعبة . لكن السوق يقول إن قيمة الدولار ترتفع أمام الدينار بشكل ملحوظ وأن البنك يهدد التجار بإجراءات بعض منها سيدفع كبار المضاربين على التعامل بتهريب العملة تخلصا من تلك التهديدات .
الغريب والعجيب في الأمر هو صمت البرلمان ولجنته الإقتصادية والحكومة ومستشاريها إزاء هذه التطورات والإحتمالات وكأنهم جميعاً غرباء لا يعنيهم هذا الأمر ولا يتحسبون للقادم من الأيام والأزمات ، وكل شي في العراق
تم بصورة منظمة ولم يبق إلا الأماكن المقدسة وربما سيأتي يوم تدعي إحدى دول الجوار بإحقيتها .
Fialhmdany19572021@gmail.com