بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
سألوا جلال الدين الرومي: نراك تقرأ وتكتب كثيراً. فماذا عرفت ؟. فقال لهم: عرفت حدودي. .
اما عندنا في العراق فلا حدود للمحاصصة، لأن الطامعين فيها لا يقرأون ولا يكتبون. .
فمن دون حاجة إلى الدخول في الحيثيات والتفاصيل، ومن دون حاجة إلى قراءة المؤشرات التصاعدية للمحاصصة، وانتصاراتها الساحقة المتلاحقة على مبادرات الإصلاح. فالثغرة الإدارية التي سنتناولها هنا حدثت قبل بضعة أيام، وشاهدها الناس على حلبة احدى الوزارات. وربما حدثت في حلبات الوزارات الأخرى. .
إما وقد تكررت انتصارات المحاصصة، واحتفظ اللاعبون السياسيون بغنائمهم من موارد المؤسسات التنفيذية، فلابد من مراجعة انفسنا للتأكد فيما إذا كنا لم نفهم اللعبة. أو إننا بالأساس دون مستوى الفهم والاستيعاب. فقد بدأنا نشعر بوجود قوى غير وطنية تعمل في الخفاء. ولها نشاطات وتحركات فاعلة ومؤثرة، ولها أيضاً امتدادات سلطوية واسعة وعميقة لكنها غير مرئية. .
ثم اكتشفنا إننا نقف فوق أرض رملية هشة تنصهر فيها معظم السلطات في أفران المحاصصة، وهذا هو الانهيار بعينه. .
قبل أيام قريبات كان أحد الوزراء يتحدث بمنطق الحكمة والعقل، وبلهجة إصلاحية ثورية، عبّرَ فيها عن رفضه لضغوطات الحيتان والمافيات، ثم أصدر امراً وزاريا يقضي بسحب البساط تحت أقدام بعض عناصرها. لكن الجولة الأخيرة حُسمت بالضربة القاضية بعد شد وجذب لصالح القوى الخفية، فانتصرت المحاصصة على الإصلاح. وذلك بسبب وجود هيئة تحكيمية ضعيفة أو غير عادلة، فخسرت الوزارة فرصتها الأخيرة في الدفاع عن مشاريعها الإصلاحية، وفقدت هيبتها في الصعود إلى المستوى التنفيذي الذي يتطلع اليه ابناء العراق في كل مكان. .
وبالتالي فان أحوال معظم التشكيلات باتت مستعصية وميئوس منها تماماً، خصوصاً بعد ان بلغ السيل الزُبى، وأصبحت بعض الوزارات تعمل في الطابق السفلي أو على الرصيف، بينما قفزت بعض تشكيلاتها إلى الطوابق العلوية، ومنها من تسلق الجبل نحو القمة. .
هنالك تزاحم في المناكب بين القيادات التنفيذية للدولة وقيادات الاحزاب المتنفذة. وهنالك تقاطع ملحوظ في السلوك والتوجهات، فالأحزاب متمسكة بحصتها من الدرجات الخاصة المتغلغلة في الوزارات التنفيذية، وغير مستعدة للتفريط بأصغر موظف من عناصرها الذين يعملون لحسابها. حتى لو كان هذا الموظف الصغير يعمل في أتفه موقع إداري، وهذا هو الترهل الوظيفي بعينه. .
ختاماً: نشعر اننا نقف بازاء هرم مقلوب يتعذر فيه التوازن المؤسسي بين عملية التنمية والإصلاح من جهة وبين النفوذ الحزبي الذي فرضته علينا التعددية من جهة أخرى، وهذا ما نشاهده الآن في فصول مسرحية السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة. .
نسخة من هذا الأمر إلى من يهمه الأمر. اما نحن فنفوض أمرنا إلى الله ان الله بصير بالعراق. .