بقلم:د. كمال فتاح حيدر ..
مرَّ العمل البحري في العراق بسلسلة مسكوت عنها من الهفوات والشطحات التي لا يتحدث عنها العاملون في الموانئ ولا النقل البحري. .
هفوات لم يكتب عنها أحد، ولم يعترض عليها المعترضون ولا المعارضون بسبب تعمق مشاعر الضعف والخذلان في نفوس الناس. .
نذكر من هذه المهازل المرحلة التي كان فيها الدكتور كريم مهدي صالح وزيراً للنقل. والتي انتهت في شهر تموز 2006. .
في تلك المرحلة كان الشيخ (ثامر ترتيب كريم) وكيلا لشؤون أمن الوزارة، وكان مقره داخل بناية الموانئ القديمة، وعلى وجه التحديد في الطابق الثاني مقابل مكتب المدير العام. ويسكن في مجمع مرموق ومؤثث داخل محطة قطار المعقل. وكان هو المشرف العام على أداء المؤسسات البحرية وغير البحرية في البصرة. .
شخص هادئ طويل القامة بعيون ملونة، لم يعمل سابقا في الوزارة، ولم يسبق له العمل في دوائر الدولة، لكنه هو الآمر الناهي، والمتحكم الاعلى في كل شاردة وواردة. مخدوم محشوم. مُهاب مدعوم. مُصان غير مسؤول. تحيط به الحمايات المسلحة والعناصر المقنعة. تأتيه الاخبار من المتزلفين والمتملقين والمنافقين. .
تكفلت الموانئ العراقية وقتذاك بتغطية نفقات هذا المزارع القادم من المشخاب، والذي لم يعمل يوماً واحداً في البحر، ولا في النهر، ولم يركب سفينة أو زورقاً أو بلماً أو حتى مشحوفاً. ومع ذلك كان كبار القوم يتزلفون له، ويتمسحون بأذياله. . يتنقل باسطول من السيارات المدرعة. يقوم برحلات تفتيشية لا يفهم منها شيئاً، ويشارك في ايفادات خارجية لم يكن يحلم بها. ثم أصبح هو المدير التنفيذي الاعلى لتطبيقات المدونة الدولية لأمن وسلامة السفن والموانئ (ISPS). .
من كان يتصور ان فلاحاً ينتقل من قريته في ضواحي (المشخاب) ليتربع على عروش الموانئ والنقل البحري من دون ان يعترض عليه احد. . والطامة الكبرى ان الذين اختاروه لهذه الوظيفة، ووضعوه في هذا المركز القيادي الحساس، قالوا له سوف تعمل في وسط يعج بالخبراء، ويزدحم باصحاب المؤهلات البحرية العالية، فلا تعبء بهم لأنهم سوف يتطوعون لخدمتك. وكل المطلوب منك ان تبقى ساكتاً محتفظاً بهدوءك. ولن يجرؤا على الاعتراض عليك بسبب شعورهم المزمن بعقدة الدونية، وتفانيهم في خدمة الغريب والمتسلط. .
وهكذا جاء (ثامر ترتيب)، ثم بسط نفوذه، وبعدها غادر موقعه بالحفاوة والتكريم، مسجلا على أرض الواقع انتصارات ساحقة ضد ذوي الاختصاص. وظلت عقدة الدونية متجذرة في نفوس كبار القوم من دون ان يفكر احدهم بانتقاد تلك المرحلة المخزية التي مرت بها مؤسساتنا البحرية. .
ختاماً: سبق لي ان قدمت للمكتبة العراقية كتابي الموسوم (صفحات مينائية مضيئة) لكنني افكر الآن بتأليف كتاب آخر عن الصفحات المينائية المظلمة. . .
وللحديث بقية. .