بقلم: كمال فتاح حيدر ..
هل فكرت في يوم من الايام عن أسباب ومسببات المجازر المفزعة التي راح ضحيتها ملايين العرب والمسلمين في السنوات القليلات الماضيات ؟. وهل حاولت ان تربط الخيوط وتقرأ تاريخنا المعاصر بعدسة مكبرة ترى فيها الأمور على حقيقتها ؟. حاول ان تضع خارطة الوطن العربي على سطح المكتب، وتعود بذاكرتك إلى الوراء لترى ما جرى وكيف جرى الذي جرى في الأماكن التي سنتحدث عنها باختصار. ولكننا وقبل الخوض بالتفاصيل سوف نطلق الرمز ( Y ) على عيدان الكبريت التي أشعلت فتيل الإفتاء بالقتل، وانفردت بنشر الفتنة، وتكفلت بإضرام النيران في غابات التخريب والدمار إبتداءً من أحداث الجزائر عام 1988 وإنتهاءً بظهور داعش واخواتها في الموصل، ثم انتشارها في المدن البعيدة. ونترك لك التعرف بنفسك على ( Y ) التي لاذت الآن بالصمت المطبق، ولم تطلق فتوى الجهاد لنصرة غزة وأهلها. .
ففي عام 1988 كانت الجزائر على حافة الغرق في مستنقعات الدم حيث تصاعدت وتيرة العنف الداخلي على يد الجماعات الجهادية المسلحة، ثم غرقت تماما في تلك المستنقعات، وراح ضحيتها نحو 200 الف جزائري من النساء والرجال دونما ذنب. .
وبالتزامن مع تلك الأحداث المروعة بدأت شرارة التطرف تتسرب من جزيرة العرب نحو افغانستان بتحريض وتمويل من ( Y )، فكانت وراء ولادة المنظمات المسلحة التي راح ضحيتها اكثر من 200 الف من العرب. .
ثم لعبت ( Y ) دورا فاعلاً في دعم العراق في حربه مع ايران، لكنها انقلبت ضد العراق بعد غزو الكويت، فوقفت بقوة مع جيوش التحالف، وكان لها الدور الفاعل في حرب الخليج الثانية وحرب الخليج الثالثة. لكن ( Y ) نفسها هي التي أصدرت عشرات الفتاوى لقتل العراقيين بعد ذلك بالجملة. فأطلقت أيادي المتطرفين في النسف والتفجير والعمليات الإنتحارية التي راح ضحيتها نصف مليون عراقي دونما ذنب. .
ثم لعبت ( Y ) دوراً دمويا في بلاد الشام، فقتلت نصف مليون مدنياً بذريعة الجهاد والتحرر. .
انتقلت بعدها شرارة ( Y ) إلى اليمن والى السودان والى ليبيا وتونس ولبنان. وظهرت لدينا فضائيات ومنابر تطالب المسلمين بالجهاد المسلح، في فتاوى تحريضية ممولة من ( Y ) راح ضحيتها اكثر من مليوني عربي، وتهجير وتشريد عشرين مليون منهم، ناهيك عن التدهور الاقتصادي والأزمات الاجتماعية، وما رافقها من تخلف وتراجع وتقهقر. .
لكنك لو نظرت الآن إلى المشهد الغزاوي لن تسمع صوتا واحدا من ( Y ) لمناصرة الفلسطينيين، ولن تجد من يوصي الشباب بالقتال ضد العصابات الاسرائيلية. بل على العكس تماما فهناك من يدعو للجهاد السلبي بالصمت، أو ما يسمى (الجهاد بالسنن). وسكت رجال الإفتاء تماماً، ولم نعد نسمع لهم همساً.
هل عرفت الآن من هي ( Y )، ولنفترض انك ادركت بفطنتك من هي ( Y )، فانها ستظهر لك في السنوات المقبلات بأساليب جديدة وأدوات مبتكرة. وسوف تستغل الجهل المستشري بين عامة الناس لتنموا من جديد في حاضناتها القديمة، فالشجعان يموتون، والأذكياء يصابون بالجنون، وتبقى ديارنا مليئة بالاغبياء السعداء. .
من شجرة واحدة يُصنع مليون عود كبريت، ويمكن لعود كبريت واحد من ( Y ) أن يحرق ملايين الأشجار. . .