بقلم: كمال فتاح حيدر ..
تحرك الحوثيون لنصرة غزة، فقرروا منع السفن الاسرائيلية وحدها من عبور مضيق باب المندب، من دون ان يتسببوا بإزعاج السفن الأخرى، و اختزلوا مطالبهم في فقرتين:-
- وقف إطلاق النار في قطاع غزة. .
- والسماح بتدفق الأغذية والأدوية والوقود إلى المحاصرين هناك. .
لم تستجب لهم اسرائيل، ولم توقف عدوانها على المدنيين، ولم تتفاعل الولايات المتحدة مع تلك المطالب، وفشلت المفاوضات الجانبية عن طريق وسطاء من سلطنة عمان، فتكررت غارات الحوثيين في باب المندب، لكنها اقتصرت على السفن التالية ولم تشمل السفن كلها:- - السفن التجارية التي ترفع العلم الاسرائيلي. .
- السفن المملوكة لاسرائيليين. .
- السفن القادمة من الموانئ الاسرائيلية أو المتوجهة اليها. .
فكانت الولايات المتحدة أمام خيارين لا ثالث لهما:- - اما سلوك طريق السلام، والإذعان والاستجابة للنداءات الجماهيرية حول العالم بوقف أطلاق النار؛
- أو سلوك طريق الحرب، وتشكيل قوة بحرية دولية من الحاملات والفرقاطات والغواصات والمدمرات والبوارج، بذريعة تنظيم حركة مرور السفن التجارية بقوافل تحميها القوارب الحربية وطائرات الرصد والمراقبة. لكنها في حقيقة الأمر هرعت كعادتها لدعم المصالح الاسرائيلية. .
فجاء تشكيل القوة البحرية المشتركة في بيان اطلقه وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) من مكتبه في مملكة البحرين، اعلن فيه عن تنفيذ عمليات (حارس الازدهار) Prosperity Guardian، التي ستنضم اليها السفن الحربية التابعة إلى كل من: المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، والتحقت بركبهم البحرين. .
تزعم امريكا (ان القوة المشتركة غير معنية بخوض الحرب ضد اليمن، وإنما هبت لحماية قوافل السفن). لا ريب أنها البداية المتوقعة لكل الكوارث المحتملة التي ستعصف بالمنطقة وتقلب عاليها سافلها. .
لم تشترك معهم البلدان العربية المطلة على البحر الأحمر (السعودية ومصر والسودان وجيبوتي)، لكن تلك القوة المشتركة سوف تحتاج إلى قواعد على اليابسة، وتحتاج إلى مراكز ساحلية للمراقبة، وقد تستعين بقواعدها الموجودة الآن في أماكن متفرقة في الصحاري العربية القريبة. .
ولكي لا نغرق في التفاصيل، فان هذه القوة المشتركة هي الامتداد التعبوي للفرقة ( 153 ) التي تم تشكيلها في ربيع عام 2022 بذريعة صيانة الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. وتتألف من 39 دولة، وهذا يعني اتساع رقعة المشاركة الدولية. .
واستكمالاً لما تقدم، ومن أجل تفعيل النوايا المبيتة دعت الولايات المتحدة مجلس الأمن إلى اتخاذ الإجراءات الفورية الرادعة للحوثيين، لكنها لن تطلب من المجلس اتخاذ إجراءات رادعة ضد جيش الاحتلال وهجماته الهمجية على المدنيين في غزة. .
اما على الصعيد اليمني فقد اظهر الحوثيون استعدادهم لمواجهة التحديات في باب المندب وخليج عدن. وبات من المتوقع ان قناة السويس هي المتضرر الأول في هذا الصراع. فالفصائل اليمنية المسلحة ليس لديها ما تخسره، لذا فأن الدخول معها في معارك يعد مضيعة للوقت والمال والجهد. وليس أمام امريكا واخواتها سوى اللجوء إلى الحلول السلمية، والتوقف عن تنفيذ حملات الإبادة في غزة. .
تبقى لدينا تساؤلات كثيرة، من مثل: كيف سيكون شكل الاستقرار الملاحي في حوض البحر الأحمر وخليج عدن بعد انتشار هذه الأعداد الهائلة من السفن الحربية متعددة الجنسيات ؟. ومن ذا الذي يتحمل تكاليفها ونفقاتها ؟. وهل تستطيع السفن التجارية العمل في هذه الأجواء الحربية المتشنجة ؟. وكم سيكون حجم خسائر قناة السويس وميناء العقبة الأردني والموانئ الاسرائيلية ؟. .
ختاماً: لاحظوا السلوك المشين لبريطانيا، التي كانت (عظمى) لكنها تتحرك اليوم حيثما تتحرك جيوش الولايات المتحدة، فالعلاقة بين الطرفين صارت اشبه بعلاقة التابع الرخيص بالمتبوع المتغطرس. ولاحظوا كيف اندفعت الأساطيل الغربية ومعها لتأمين سلامة السفن المتوجهة إلى الموانئ الاسرائيلية. .
أليس هذا زمن العجائب والتناقضات ؟؟. . .