بقلم الخبير المهندس:- حيدر عبدالجبار البطاط ..
المرض الهولندي :- ويعرف في علم الاقتصاد بأنه العلاقة السلبية بين ازدهار الاقتصاد بسبب وفرة الموارد الطبيعية وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية و الزراعية.
تعبير المرض الهولندي هو مصطلح دخل قاموس المصطلحات الاقتصادية على الصعيد العالمي منذ أكثر من 60 عاما.
و هو اسم لـ حالة من الكسل والتراخي الوظيفي أصاب الشعب الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي 1900 – 1950، بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال
يحاول مصطلح المرض الهولندي .. توصيف الظاهرة التي رصدها علماء الاقتصاد والسياسة بالنسبة لما حدث للهولنديين بالذات بعد اكتشاف النفط والغاز الطبيعي في المناطق التابعة لهم في بحر الشمال.
يقول البروفيسور جوزيف ستغليز وهو الاقتصادي المرموق و الحاصل على جائزة نوبل
( بعد اكتشاف هذه الموارد الطبيعية السخية اكتشف الهولنديون أنهم يواجهون معدلات متزايدة من البطالة و تفشي ظاهرة الإعاقة بين صفوف القوى العاملة ).
وقد زاد من تفاقم الظاهرة أن أدت الموارد الطبيعية إلى ارتفاع أسعار صرف العملة الوطنية في هولندا فكان أن ارتفعت أسعار السلع التي أنتجتها هولندا مما أفضى إلى عجز هذه السلع عن المنافسة في أسواق التصدير بل جعل الواردات من الخارج أقل سعراّ ومن ثم أفضل اختياراً للمستهلك المحلي، وكانت نتيجة هذا كله اضمحلال نشاط الإنتاج الزراعي و الصناعي .
والمعنى الاشمل للمرض الهولندي في هذا المجال ينصرف إلى مفهوم العلاقة بين التوسع في استغلال هذه الموارد الطبيعية المعدنية و النفطية وبين الانكماش في مجال الصناعات التحويلية.
وهي نفس العلاقة التي تفضي إلى مزيد من العوائد المالية وقليل من فرص العمل الوطنية وربما مزيد من استيراد المواد و القوى العاملة الأجنبية التي تتمتع بمهارات خاصة ومطلوبة في ظل انكماش تصدير المنتجات المحلية المصنّعة التي تفقد باطراد مزاياها النسبية من جهة، ولا تكاد تصمد للمنافسة السعرية في أسواق التبادل التجاري الدولي من جهة أخرى.
و اذا اخذنا نموذج نيجيريا مثلاً
حلت بهذا البلد الإفريقي الكبير اندفاع نحو النفط وموارده وعوائده وثرواته، وفي ثنايا هذه الاندفاع جاءت الإصابة بكل أعراض المرض الهولندي.
وكان طبيعيا أن يؤدي هذا الى تكوين ثروات طائلة لشراذم من الأفراد الذين ضمتهم دوائر أو جماعات المصالح الفردية أو العشائرية أو الفئوية الضيقة وتم ذلك أولا على حساب خطط التنمية..
وتم ذلك ثانيا لحساب استشراء سلوكيات الفساد بين صفوف حملة المسؤوليات وراسمي السياسات وصانعي القرارات وتم ذلك أخيرا لصالح الاحتكارات العالمية للطاقة و لم يستفيد غالبية الشعب الإفريقي منها شيئا مذكورا.
وإذا كان من المعروف أن لكل مرض آثارا جانبية، فمن الآثار الجانبية ـ السلبية للإصابة بالمرض الهولندي ما يتعدى من مجال الاقتصاد إلى مجال الممارسة السياسية..
وفي هذا السياق أيضا تأتي الدراسة المهمة التي قدمها الأستاذان «ريكي لام» و«ليونارد ونتشيكون» من مركز النمو الاقتصادي في جامعة بييل.
حيث يرى الباحثان المذكوران أن تلك الثروات الريعية الطائلة لا تؤدي فقط إلى إبطاء خطى النمو الاقتصادي الناتج عن العمل والإنتاج..
بل إنها تؤدي كذلك إلى توليد بيئات أو مناخات سياسية تنمو في غمارها النزعات السلطوية وأساليب الحكم الاستبدادية حيث يتم الزواج غير الشرعي كما قد نسميه، بين الثروة والسلطة التي في النهاية تؤدي الى تدمير البلدان.
وحيث تنتفخ حسابات الرؤساء والوزراء والجنرالات في مصارف أوروبا وأميركا مع تقلص حظوظ مواطنيهم من مقدرات بلادهم، مما يولد مشاعر السخط بين هؤلاء المهمشين اقتصاديا والمنبوذين اجتماعيا ومن ثم لا تجد احتكارات الثروة في تلك الأقطار مناصا من أن تلجأ إلى المزيد من إجراءات القمع الديكتاتوري للإبقاء على الأوضاع دون تحوّل أو تغيير (حالة الستاتيكو كما يقول مصطلح العلوم السياسية) وهكذا يوضع هذا البلد أو ذاك من بلدان العالم الثالث (في أفريقيا و اسيا بالذات) على متن عجلة من النار كما يقول شكسبير يدور في قطرها الملتهب مواطنوه وإمكاناته وآفاق مستقبله على السواء.
و في الختام أقول ان المرض الهولندى هو اعتماد البلدان على الثروات الطبيعية الناضبة مثل النفط و ترك الثروات المتجددة مثل الزراعة و الصناعة و و التكنلوجيا و البحث العلمي .
و تدمير التعليم و الصحة و الجهد الوطني و ايقاف عجلة التطور و تفشي البطالة و التلوث و التخلف ؟؟
و خلق طبقة من الفاسدين الأثرياء الذين يتحكمون بالبلد
و ينهبون ثرواته؟؟