بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لا تستغرب ولا تندهش من وجود الجنود الهنود في الكتائب الزاحفة لقصف غزة وقتل سكانها، فنحن في زمن العجائب، فبعد موقف اليابان المعارض لفكرة وقف أطلاق النار، كان الزعيم الهندي (نارندرا مودي) في طليعة المؤيدين لنتنياهو في استئناف حملات الابادة الجماعية. على الرغم من أن مواقف (مودي) تتوافق مع مواقف معظم الحكومات الغربية، إلا أنها بالنسبة للهند كانت بمثابة خروج عن الماضي. وهذا يفسر رفضها قرار الأمم المتحدة بشأن الهدنة الإنسانية في غزة، فاختارت الامتناع عن التصويت. .
والحقيقة ان التقارب الهندي الإسرائيلي يعود إلى عام 2014، وهو ما تجلى في مواقف (مودي) الداعمة لإسرائيل، ولكن هذه المرة الأولى التي تحوّل فيها الدعم إلى إرسال وحدات هندية للقتال في غزة، وتوجيه الصحافة الهندية نحو التضليل والتدليس وقلب الحقائق لصالح إسرائيل. وتشويه صورة القضية الفلسطينية، ودعم الخطاب المعادي للإسلام. وهذا ما دأب عليه حزب (بهاراتيا جاناتا) منذ وصوله إلى السلطة. وشاركت مجاميع فيسبوكية مرتبطة بالحزب في نشر رسالة مفادها: أن حماس تمثل التهديد الإسلامي الذي تواجهه الهند في منطقة كشمير المضطربة ذات الأغلبية المسلمة، وأن الفلسطينيين يوصفون على نطاق واسع بأنهم جهاديون.
وحثت الرسائل التي تم تداولها على نطاق واسع عبر تطبيق واتساب الهندوس على تسليح أنفسهم ومقاطعة المسلمين، وجاء فيها: (في المستقبل، يمكن أن تواجه الهند أيضاً مؤامرات وهجمات مثل إسرائيل. لا يمكن استبعاد احتمال تعرض النساء الهندوسيات للقسوة). وانتقلت الرواية نفسها إلى بعض القنوات الإخبارية الأكثر إثارة للجدل في الهند، حيث قال أرناب جوسوامي، المذيع اليميني المتشدد على قناة تلفزيون الجمهورية الهندية، للمشاهدين: (نحن نتعرض لنفس الهجمات الإرهابية الإسلامية المتطرف التي صارت إسرائيل ضحية لها). وكان هذا الخطاب المنحاز لإسرائيل بمثابة دعوة لحمل السلاح ضد المسلمين. فتجمع الهندوس خارج مقر السفارة الإسرائيلية في دلهي، وابدوا استعدادهم للهجوم على سكان غزة. وكان من بينهم فيشنو غوبتا (58 عاما)، الرئيس الوطني لحزب (هندو سينا)، الذي قال: (إنه كان من بين 200 رجل تطوعوا في الجيش الإسرائيلي). مضيفا أن ثقته قد عززتها كلمات الزعيم (مودي). .
وقال غوبتا: (كلانا ضحية للإرهاب الإسلامي، ولهذا السبب كنا ندعم إسرائيل منذ البداية). وقال آخرون: (لقد استولى المسلمون على القدس، واستولوا على الأماكن المقدسة في الهند أيضاً. وهناك مسلحون من كشمير تدعمهم باكستان، وهم الذين ينفذون هجمات إرهابية في جميع أنحاء الهند). .
لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا ان الهند في زمن رئيس وزرائها الأول (جواهر لال نهرو)، وفي زمن المهاتما غاندي كانت اقوى المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني، وصوتت وقتذاك ضد إسرائيل في الأمم المتحدة. وكانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي لفلسطين في السبعينيات. .
لكن الأوضاع تغيرت الآن، ولا يحق لنا توجيه العتب واللوم إلى الهنود إذا كانت معظم البلدان العربية والإسلامية هي التي توفر الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للكيان المحتل. .
نحن في زمن العجائب والغرائب والطلايب