بقلم: كمال فتاح حيدر ..
انشطر الإعلام العربي في المرحلة الراهنة إلى جبهتين. جبهة كبيرة تستنفر أبواقها صباح مساء لخدمة إسرائيل، وتدعم توجهاتها التوراتية التوسعية. وجبهة يتيمة تذود وحدها لنصرة القضية. .
زعامات عربية تمنع المظاهرات وتحرّمها في السر والعلن، وتعاقب المشاركين فيها. وشعوب عربية مدجنة ومشفرة، منساقة على غير هدى وراء توجهات تلك الزعامات المنحازة بالكامل إلى معسكر الاعداء. .
قوات أردنية ومصرية تطوعت لحماية الحدود الإسرائيلية، وسخرت جيوشها لخدمة القواعد الأمريكية. .
فقهاء ومشايخ من المتأسلمين والمتأسلفين اختاروا السير بعيون مغمضة خلف الحاخامات المعادين للعروبة والإسلام. .
محللون ومفكرون عرب اعمتهم ولاءاتهم الطائفية فتقزموا وتسطحوا وفقدوا بوصلتهم الانسانية. .
حكومات عربية تندفع بكل قوتها لتقديم فروض الولاء والطاعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي هُزمت وافتضح أمرها أمام العالم، وبانت على حقيقتها الإرهابية، فمنحتها الحكومات العربية الاعذار والمبررات، وسمحت لها بالتدخل في شؤونها والإستيلاء على خيراتها. .
الطامة الكبرى ان معظم زعماء الكيانات العربية يعلمون علم اليقين ان تعاظم قوة إسرائيل سوف يتنامى على حساب ضعفهم وتقهقرهم. وعلى حساب انهيار انظمتهم وتفككها. وهذا ما جرى في العراق وليبيا والسودان واليمن. .
قالت لهم إسرائيل: إن اردتم ممارسة سياسة وطنية مستقلة في إدارة بلدانكم، ورفضتم الوصاية الغربية عليكم، فلدينا عشرات الحجج والخيارات لتدميركم من الداخل، وليس لدينا مشكلة في ذلك. وهذا ما تواجهه بلدان مثل العراق والجزائر والمغرب المهددة بالتقسيم والتجزئة عن طريق الأوكار التي زرعتها الموساد هناك، وعن طريق خلايا داعش ومعسكراتها، فالتدهور الاقتصادي الذي تشهده بعض البلدان العربية هو صورة واقعية لحجم الدمار والانهيار. وربما كان العرّاب (جاكوب كوهين) صريحاً إلى أبعد الحدود عندما وجه خطابه إلى البلدان العربية، فقال في لقاء متلفز: (من لم يخضع لارادتنا ويرفض التطبيع معنا فسوف نرسل له داعش لتأديبه). .
التناقض الأخطر في مسيرة القيادات العربية ان أرصدتها وثرواتها محتجزة في بنوك جنيف وباريس ونيويورك، وبالتالي فان ممتلكاتهم كلها تحت تصرف القوى الصهيونية المهيمنة على البنك الدولي. .
وهناك قاسم مشترك آخر لمعظم بلداننا. وهي انها فاقدة للشرعية، فالانتخابات الصورية التي تنتهي دائما بفوز الرئيس الأوحد بنسة 99.9% يمكن الإطاحة بها جماهيريا بمفاتيح الفوضى المفتعلة. وهذا يعني وجود ثغرات كثيرة في جدران السلطات الهشة. .
كانت هذه صورة مختزلة لتناقضات الواقع العربي. لكن المثير للعجب ان إسرائيل نفسها اصبحت الآن في الزاوية الحرجة. وهذا ما أكده زعيم المعارضة (لبيد) عندما وصف حكومة نتنياهو. بقوله: (هذه ليست حكومة بل كارثة وطنية). .