بقلم: كمال فتاح حيدر ..
ألف جريح و 150 شهيد سقطوا كلهم في أقل من نصف ساعة. جرت هذه المجزرة المؤلمة امام انظار العالم كله. وتناقلتها وكالات الأنباء في الشرق والغرب، وراح ضحيتها الجياع لمجرد انهم كانوا متجمعين في بقعة يظنونها آمنة لاستلام ما تجود به المساعدات الدولية من بطاطا أو بندورة وحفنة من الطحين (الدقيق) الذي يكفي لسد رمقهم ليوم واحد فقط. ثم انهمرت فوق رؤوسهم القنابل الصهيونية من كل الاتجاهات، فتقطعت أوصالهم وأطرافهم وتمزقت اجسادهم النحيلة الخاوية. فامتزجت الدماء بالطحين بالبندورة بالبطاطا بالرماد بالشظايا. كانت المساعدات هي المكيدة أو الكمين الذي ينتظرهم، وهي المصيدة المنصوبة لهم في شارع الرشيد (دوار النابلسي). .
لم يكترث احد لهذه المذبحة، ولن تكون آخر المذابح، ولن يهدأ بال امريكا والصهاينة حتى يقضون على آخر فلسطيني على وجه الارض. .
قالت اليهود ان الضحايا تساقطوا بسبب التزاحم والاختناق. وهي المرة الأولى التي نسمع فيها عن تزاحم تُبقر فيه البطون، وتتقطع فيه الاجساد إربا إربا ؟. .
لن يتراجع بايدن وماكرون وريتشي ونتنياهو وبن غفير إلا إذا تضررت مصالحهم، وكيف تتضرر مصالحم في ظل الدعم اللا محدود الذي يقدمه لهم المكسيكي والملك الهامشي. وكيف تتوقف حمامات الدم في ظل هذا السكوت المطبق الذي يلوذ به مشايخ التأسلم والاستسلام ؟، ومتى تتوقف الحرب في ظل الجامعة العربية الموالية لهم ؟، وفي ظل منظمة العمل الإسلامي التي لا حس ولا نفس ؟. .
لن تفهم امريكا لغة الحوار والدبلوماسية الناعمة والاخلاق العالية، ولن يستجب نتنياهو لنداءات السلام ؟. فاللغة الوحيدة التي يتفهمونها هي لغة الضربات القوية. حيث العين بالعين والسن بالسن. لغة القوة ومواجهة التحديات. لغة النفط مقابل السلام، لغة الغاز مقابل الاستقرار الشامل. لغة المقاطعة الاقتصادية المؤثرة والفاعلة. تعلموا من أطفال غزة، وتعلموا من ثبات آرون بوشنل، واستحوا من اعتصامات الشعوب الأوروبية والآسيوية الذين قالوا كلمتهم بكل بسالة وشجاعة، ولم يهدأ لهم بال حتى اللحظة. بينما تلوذ الشعوب العربية بالصمت. ثم يخرج علينا نتنياهو بتصريح جديد يقول فيه: ان زعماء البلدان العربية المجاورة لغزة هم الذين يطالبوننا بمواصلة القصف والحصار. وهو هنا يقصد حكومة السيسي وحكومة الملك الهامشي. أي عار هذا الذي جلبتموه لشعوبكم ؟. وهل تظنون انكم ستفلتون من عقاب الله وحسابه ؟. .
لم ينطق الزعماء العرب بحرف واحد لمواساة اسر الجرحى والشهداء. لكن كلمات العزاء جاءت من الرئيس الكولمبي، الذي قال: لقد ارتكب نتنياهو هذه المجزرة ضد الجياع لأنهم طالبوا بالطعام. فأقدم على قتلهم بما يشبه الهولوكوست، يتعين على العالم إدانة نتنياهو والاعتراف بالإبادة الجماعية. .
ولم تخرج الحشود العربية حزنا وحدادا على الضحايا، لكن اللافت للنظر ان اليهود في تل ابيب هم الذي خرجوا إلى الساحات والشوارع وكانوا يحملون اكياس الطحين، ويطالبون برفع الظلم عن غزة وإنقاذهم من المجاعة. .