بقلم: كمال فتاح حيدر ..
في الوقت الذي تكرس فيه المراكز العلمية المتقدمة ذكائها وعبقريتها وقدراتها الذهنية الفائقة وتقنياتها الخارقة من اجل تعزيز نفوذ الولايات المتحدة ونفوذ الاتحاد الأوربي في الشرق الأوسط، والاستحواذ على المكاسب والثروات، وبناء القواعد الحربية، والتحكم بالممرات البحرية والجوية والبرية، وفي تعطيل المشاريع المستقبلية والبحث عن سبل السيطرة على شعوب المنطقة. .
في هذا الوقت بالذات ينشغل بعض ساسة العراق ومعهم بعض النواب، وينشغل معهم الشعب العراقي نفسه بالإساءة إلى رموزهم الوطنية وتهميش اصحاب المواهب والكفاءات، والاعتماد على إنصاف المتعلمين من ذوي الشهادات المزورة. وفي مطاردة كل وطني شريف، والتطبيل لكل عميل ومهرج ومنافق. فالمهزلة الانقلابية التي قد نشهدها بعد إقرار قانون الجنسية الجديد يشترك فيها المواطن والسياسي والنائب بدعم وتوجيه من القوى الدولية الغاشمة. .
فقد اصبح المواطن العراقي مهددا بفقدان هويته العربية، ومهددا بفقدان اسمه وتراثه وتاريخه وقوميته. في حملة مسعورة بدأت منذ الثمانينات بتهجير عوائل وقبائل بكاملها، وتجريد مئات الآلاف من انتسابهم الوطني ونفيهم وراء الحدود. ثم توسعت الحملات بعد عام 2003 بأساليب وقحة تبنتها بعض الفضائيات التي سخرت برامجها للتشكيك بعروبة ابناء الجنوب. حتى جاء اليوم الذي اتسعت فيه المخاوف من ضياع الهوية العربية، وذلك بسبب مشروع قانون منح الجنسية العراقية لكل اجنبي مضى على إقامته عام كامل، بمعنى ان العراق في طريقه للتحول إلى غابة مفتوحة لكل الشعوب والامم. غابة تشبه القرية العالمية في دبي، تحتوي على التناقضات البشرية كلها، يضيع فيها المواطن العراقي نفسه حتى لا يجد من يتفاهم معه ويتحدث معه بلغته. وربما نشهد بعد بضعة سنوات برلمانيون من موزمبيق ومن جزر الملاوي، يرطن كل منهم بلغته الأصلية، ويقرأون نشيد: موطني موطني، بهذه الصيغة: (موتني موتني). .
هذه كارثة حقيقية يخطط لها الآن المتآمرون على أصالة ارض الرافدين. وقد يفقد العراق سمته العربية بعد توافد البنغاليين عليه ومن بعدهم البلوش والسنغاليين والفلبينيين. فما ان يحط السيريلانكي رحاله هنا ويقيم لمدة 360 يوما حتى يحصل على الجنسية والبطاقة الوطنية والجواز المكتوب بكل لغات العالم. الأمر الذي سيفتح شهية الاحزاب الضعيفة باستجلاب المئات من كل القارات لتعزيز قواعدهم الجماهيرية الناطقة بكل لغات الدنيا. وربما تظهر لدينا احزاب طائفية على النمط البوذي أو السيخي أو على شاكلة ناطوري كارتا. وربما تظهر لدينا أحياء مكسيكية بين واسط وبغداد وأخرى صينية بين السماوة والديوانية، فتلتقي الشعوب كلها في بانوراما العراق. مطاعم ومعابد ومدارس ومناهج وتقاليد وعادات من كل الأنواع والأصناف. ومسارح وسيما وسيرك وأفيش وكلب الحراسة وكرسى الرياسة وحبة سياسة ولفة حشيش. ثم يأتي يوم على الزوراء يقول المار بها ها هنا كانت الزوراء. .
ربنا مسنا الضر وانت ارحم الراحمين. .