بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لو أقدمت أي دولة في الشرق الأوسط على اعتقال الطلاب والأساتذة المعتصمين في الجامعات، لانهالت عليها الولايات المتحدة بالتقريع والتوبيخ والإدانة، واتهمتها بالظلم والتعسف والإستبداد. لكنها اليوم هي التي تقتحم اكثر من 30 جامعة بقوة السلاح، وهي التي تعتقل المحتجين المطالبين بوقف إطلاق النار في غزة. فالولايات الكنتاكية التي تتظاهر بتأييدها لحرية التعبير في المحرمات الجامعية، وتزعم انها تؤمن بأن حقك في قول رأيك يفوق حقوق الآخرين في الانزعاج منه، هي التي استنفرت قوات مكافحة الشغب لتضييق الخناق على الطلاب، ولم تتردد باعتقال الأستاذة Noelle McAfee (نويل ماكافي) رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري بتهمة مشاركتها في الاحتجاجات. ولم تشفع لها مكانتها العلمية المرموقة، كونها أستاذة ورئيسة لقسم الفلسفة بالجامعة، وتقوم بتدريس الطب النفسي وعلم السلوكيات، وتدير برامج الدراسات التحليلية. ولها عشرات المؤلفات. لكن العصابات في ديمقراطية الكنتاكي وضعوا الأصفاد في يديها، وساقوها إلى المعتقل. ثم ظهرت في مقطع فيديو سريع الانتشار شاهده أكثر من 20 مليون، يوثق احتجازها وإخراجها من حرم جامعة إيموري يسحبها ضابط شرطة مقنع في أتلانتا. وكانت آخر كلماتها: (اتصلوا بمكتب قسم الفلسفة وأخبروهم باعتقالي). .
وهكذا سقطت أوهام الحرية، التي طالما تغنت بها أمريكا وأخواتها، مع سقوط كل أوراق التوت عن عوراتها القبيحة. .
لقد تحدثت الأستاذة (نويل مكافي) بألم شديد عن ظروف اعتقالها داخل المؤسسة التعليمية التي تحتمي بها. وقالت: (أعتقد أن الأمر محزن للغاية. الطلاب مستاءون ومندهشون. يشعرون بالإحباط. لقد أساءوا لهم بأساليب وحشية. وهذا أمر فظيع. أعتقد أننا بحاجة أن نكون أفضل من هذا). .
سألتها وكالة (أتلانتا نيوز) بعد إطلاق سراحها من سجن مقاطعة ديكالب. فقالت: (لم اكن أتوقع انهم سوف يصادرون حريتي، ويحتجزوني في زنزانة داخل السجن، ويوجهوا لي تهمة السلوك غير المنضبط). .
وقالت أيضاً: (كنت واقفة على مسافة بعيدة من الشرطة. وأحيانا أراقب الاحتجاج من نافذة مكتبي). ومع ذلك اعتقلوها واهانوها، ولم يحترموا درجتها العلمية ولا مكانتها التربوية. كانوا يتصرفون بعنف مع الطلاب والأساتذة بناءً على توجيهات نتنياهو الذي كان يطالب باعتقالهم بتهمة معاداة السامية. فما يحدث الآن في الجامعات الأمريكية غير مسبوق. وكأن الولايات المتحدة التي تتغني بالديمقراطية تحولت لدولة قمعية في يوم وليلة، حيث طالت الاعتقالات الأساتذة والطلاب. وسيشهد العالم بأسره على هذه الانتهاكات، وسيكتب التاريخ ان الجامعات، طلابا ودكاتره واداريين، تسببوا بإزعاج أميركا وكيانها المسخ، أكثر من الجامعة العربية، وأكثر من الدول الاسلامية. .