بقلم: كمال فتاح حيدر ..
أزعجتني مقالة كتبها احدهم باسم مستعار عبّرَ فيها عن غضبه وحزنه وزعله الشديد بسبب سقوط 5 صواريخ فقط فوق قاعدة إسرائيلية. فبكى ولطم ومزق ثيابه، وكاد يموت من القهر. .
لم يكن حزنه بسبب ما تعرضت له إسرائيل، بل لأن لبنان هي التي سددت الضربة الصاروخية المباشرة. فأقحم نفسه في متاهات الظلمات المذهبية التي نحن في غنى عنها، وبخاصة في ظل حملات الابادة الجماعية التي راح ضحيتها الآلاف. وفي ظل المآسي التي عصفت بأهلنا هناك. .
لا اريد التعمق بالتفاصيل التي أغضبته وجعلت الدماء تغلي في عروقه، يكفي ان اقول انه من اصحاب العقول المشفرة. فهو لم يتهجم على إسرائيل، ولا على البلدان التي تدعمها بالمال والرجال، ولم ينتقد العرب الذين خذلوا فلسطين، وباعوا القضية، ولم يكترث بما آلت اليه احوال المحاصرين في غزة. لكنه انتفض وانفعل وأبدى استياءه لأن الصاروخ الذي ضرب إسرائيل كان لبنانيا، ولأن لبنان هي التي سددته، وهي التي حددت الهدف، ولأنها اصابت معسكر الأعداء. هو يعلم انهم أعداء وسفلة وقتلة، لكنه يرفض ان يأتي المدد من جنوب لبنان ، أو من اليمن، أو من العراق . .
وهكذا كان زعل هذا المعتوه مثل زعل الرگة (السلحفاة) على الشاطئ، أو مثل زعل الواوي (ابن آوى) على الديك. أو مثل زعل الزرزور على بيدر الدخن. وما إلى ذلك من الأمثال العراقية الدارجة. فأكوام الدخن وأكوام القمح لن يضرها زعل عصفور واحد يعلن مقاطعته لها، ولن يستطيع العصفور نفسه الاستغناء عن بيادر الخير، ويبقى في امس الحاجة اليها لأنها توفر له الطعام. .
قبل قليل كان النائب الإسباني (مانو بينيدا) يتحدث، فيقول: (الإنسانية تموت وهي ترى الفتك في سكان غزة، وسوف يستغرق الأمر منا أجيالا للتغلب على هذا العار، وهذا الاشمئزاز، وهذه الكراهية تجاه الإسرائيليين المسؤولين عن هذه الإبادة، وتجاه شركائهم). لقد تحركت المشاعر الأندلسية في قلب (مانو)، بينما تسمع التناقضات المخزية من بعض العرب والمسلمين، الذين تعطلت عقولهم. وتحجرت قلوبهم، وآمنوا بالتدين الشكلي، ولا يعلمون أن الدين قبل كل شيء: قلب حي، وضمير يقظ، وسريرة نظيفة، وعبادة خالصة لله الواحد الأحد الفرد الصمد. .