بقلم : فالح حسون الدراجي ..
شكراً أقولها من صميم قلبي إلى لاعبي منتخبنا الاولمبي واحداً واحداً دون استثناء، والى مدربهم الخلوق والمجتهد راضي شنيشل.. و(ألف شكر) أقولها من قلبي ولساني وكل مشاعري إلى لاعب المنتخب الأولمبي علي جاسم..
الشكر الذي رفعته إلى لاعبي منتخبنا الاولمبي واجب عليّ، وعلى كل عراقي، فهؤلاء الفتية الذين قاتلوا قتالاً عظيماً، حتى تمكنوا من تحقيق المراد، و الوصول إلى محطة باريس الأولمبية، لهم علينا واجب الشكر، وعلى الدولة واجب التكريم.. بعد أن تفوق هؤلاء الشباب الأبطال على حدود قدراتهم الفنية والبدنيّة، وتجاوزوا مستوياتهم المعروفة، فوصلوا الاولمبياد بجدارة
بينما فشلت فرق ذات مستويات ومؤهلات فنية عالية، توفرت لها امكانات مادية كبيرة لا يمكن أن تقارن بها امكانات منتخبنا الاولمبي البسيطة بل والبسيطة جداً، ومن بين هذه الفرق، منتخبات كوريا الجنوبية والسعودية وقطر والإمارات وغيرها.. وهذه الفرق لا تحتاج طبعاً إلى شروحات وتفاصيل لمعرفة ما توفر لها من معسكرات تدريبية وفنية. لذلك استحقّ فتيان العراق البواسل ( الشكر) والتقدير .. أما مدربهم راضي شنيشل، الذي واجه في هذه البطولة، مدربين لهم باع طويل، مدججين بإمكانات فنية وقدرات تدريبية عالية، مصحوبة بأدوات ومناهج وكوادر ومساعدين واجهزة طبية وبدنية مكملة، لم يتوفر له ربعها قط.. ورغم محدودية، و(محلية) امكانات شنيشل التدريبية والفنية، فقد نجح الرجل في خطف بطاقة التاهيل الثالثة والانتقال إلى اولمبياد باريس، لذلك استحق الشكر والاحترام والاعتزاز مني، ومن كل عراقي وعراقية..
أما فتى الفتيان علي جاسم، فله الشكر الف مرة وليس مرة واحدة، بل وأتمنى أن ينال من العراقيين ملايين كلمات الشكر والتقدير والاحترام.
وقد يسألني سائل ويقول:
لماذا تشكر لاعبي منتخبنا الاولمبي ومدربهم مرة واحدة، بينما تشكر علي جاسم (ألف مرة)؟!
والجواب:ثمة قاعدة تقول (الأجر على قدر المشقة).. وحكمة تقول: (كلمات الشكر والثناء لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب، ولا تتحقق إلا بالإخلاص والجهد الكبير).
وأظن، بل أجزم أن علي جاسم كان مثالاً في بذل الجهد الكبير، ونموذجاً في الإخلاص لوطنه وعلم بلاده، وللفانيلة التي ابتلت بعرق الوفاء ودمع الحب.
وأنا هنا لا أتحدث عن موهبة علي جاسم، ولا عن قدراته الكروية والفنية العالية فحسب، فهذه الموهبة لها حكاية خاصة سأكتبها يوماً، حكاية قد يطول الحديث فيها وعنها، أما الآن فأنا أتحدث عن حسه وشعوره العالي بالمسؤولية، تلك المسؤولية التي جعلتني أشعر وأنا أراه يصول ويجول في الملعب، راكضاً من اليمين إلى اليسار، لا يحدده مركز معين، ولا هو يقف عند مهمة واحدة يكلفه بها مدربه، فتارةً تراه مدافعاً مثل أي مدافع (يشطح وينطح) كما يقولون، وتارة تراه لاعب ارتكاز يخرج بالكرة من مناطقنا إلى مناطق الخصم، وأخرى تراه لاعب وسط، يصنع الهجمات، ويرسل الكرات إلى المهاجمين، ولعل الأهم من كل ذلك، أنك تراه مهاجماً في كل الأوقات، بل وتراه هدافاً
يتفوق على مهاجمي المنتخب الاولمبي العراقي، وعلى جميع مهاجمي الفرق المشاركة، بدليل فوزه بجائزة هداف البطولة.. علماً بأني لم أره حتى اللحظة الأخيرة من البطولة، ساعياً إلى نيل هذه الجائزة، أو طامعاً بها على حساب زملائه إنما جاءته هذه الجائزة طائعة لأنه يستحقها بجدارة ..
لقد كان علي جاسم بمستوى الامانة الوطنية، فتحمل المسؤولية بشرف وكأن العراق والعراقيين وضعوا بيده (الصغيرة) شرف حمل هذه الامانة الثقيلة، وقالوا له بثقة: امضِ ياعلي فأنت أهل لها.. فكان علي أهلاً لها فعلاً وقولاً ..
هل رأيتم علي جاسم كيف يركض بكل دقائق المباريات وثوانيها، ولم يتوقف او يسترح لحظة واحدة..وكأني كنت أسمع صخب أنفاسه وهي تصعد وتنزل كالمطوقة على قفص صدره.. بل وهي تتقطع في صدره، رغم بعد المسافات التي بين الدوحة وبغداد ..!
لقد كنت اسأل نفسي: لماذا يتكفل علي جاسم أكثر من غيره بحمل ثقل هذه المسؤولية.. ولماذا يدافع ويهاجم ويحرز الأهداف دون غيره، ولماذا يواصل اللعب والأداء بذات الوتيرة والقوة حتى وهو يتعرض إلى الضرب والأذى من قبل الخصوم، لكنه يظل يواصل دون توقف ؟
البعض قال هي (الغيرة )، والبعض قال هو الشعور بالمسؤولية، والبعض قال هي التربية العائلية.. وأنا أقول: نعم، ولكن جميع لاعبي منتخبنا الاولمبي يحملون ذات (الغيرة)، ولديهم ذات الشعور العالي بالمسؤولية، ونالوا في بيوتهم تربية عائلية عالية.. لذلك بقيت حائراً أبحث عن السبب لفترة طويلة دون جدوى.. حتى توصلت الى أن هناك بعض الأشخاص تختارهم الأقدار في لحظة تاريخية معينة لأداء دور معين.. وفي التاريخ السياسي والعسكري والرياضي والثقافي والاجتماعي مئات الأمثال التي يمكن ضربها في هذه الخصوصية القدرية..
ولو تجاوزنا الأمثلة التاريخية المضيئة في جميع الميادين، واخترنا الميدان الرياضي فحسب، لوجدنا اللاعب ميسي، الذي هيأته الأقدار إلى قيادة الأرجنتين لنيل كأس العالم في نسخة الدوحة، وأجزم ان الجميع يتفق على أن الأرجنتين لن تنال كأس العالم ( لو تطلع نخلة براسها)، إن لم يكن ميسي موجوداً معها، رغم توفر المواهب في منتخب الأرجنتين.. ونفس الشيء الذي فعله ميسي، فعله بيليه مع البرازيل في كأس العالم نسخة إيطاليا عام 1970، وفعله مارادونا في كأس العالم نسخة المكسيك عام 1986 .. صحيح أن بيليه جلب للبرازيل كأس العالم برفقة مجموعة من لاعبي البرازيل الكبار، لكن الدور الأعظم كان لبيليه – ذلك الفتى الأسمر الذي بدأ حياته ماسحاً للأحذية، واصبح وزيراً للرياضة في البرازيل- وكذلك مارادونا الذي دمر هيبة منتخب إنكلترا ومنتخبات العالم لوحده في نسخة المكسيك، وحمل كأس العالم بيديه، رغم مواهب المنتخب الأرجنتيني.. أما ميسي فلا يحتاج مني قولاً ولا شهادة، فهو الذي قال بأقدامه في ملاعب الدوحة كلاماً يغنيه عن كل قول ويكفيه.
ومثل ميسي وبيليه ومارادونا، تحمّل علي جاسم المسؤولية أيضاً، وحمل علم العراق على كتفيه الناحلين، ومضى به إلى باريس، ليضعه بين أعلام الدول الكبيرة..
ختاماً، اودّ أن أشير بصراحة إلى أن مستوى وامكانات وقدرات منتخبنا الاولمبي الحالي، لا تتناسب قطعاً مع مستويات الفرق المنافسة في اولمبياد باريس، لاسيما المجموعة التي سنلعب فيها النهائيات .. كذلك خبرة ومستوى وامكانات المدرب راضي شنيشل، هي الأخرى لا تؤهله لمقارعة المدربين المنافسين، وقد رأينا كيف ضاع فريقنا ومدربه أمام منتخب اليابان في المباراة التي سبقت مباراتنا مع أندنوسيا، وخسرنا فيها بهدفين ضد لا شيء، وكان بإمكان اليابان ان تهزمنا بخمسة اهداف وليس بهدفين فقط..!
لذلك اطالب بجلب مدرب اجنبي يساعده المدرب راضي شنيشل ، وتغيير نصف اعضاء الفريق المسافر إلى باريس، خاصة خط الدفاع والوسط فضلاً عن الهجوم ء- باستثناء علي جاسم – لانهم جميعاً ليسوا في المستوى الفني والبدني المطلوب ..!
وقبل ذلك أدعو إلى تكريم لاعبي المنتخب الاولمبي الحالي تكريماً فخماً – كمنحهم اراضي جيدة وشققاً ممتازة وسيارات ومكافآت مالية لائقة- وتقديم الشكر الجزيل لهم، فهذا حقهم علينا وعلى الدولة، وليس منّة أوفضلاً عليهم .. أما حق العراق وحق سمعته واسمه وهيبته فهذا مطلوب منا جميعاً الحفاظ عليه ايضاً، وحتى لا نصبح أضحوكة في ملاعب باريس، وفرجة امام اكثر من مليار مشاهد في الاولمبياد، أدعو مخلصاً إلى استبدال عشرة لاعبين على الاقل من اللاعبيين الذين مثلوا المنتخب الاولمبي في الدوحة .. فالعراق مزدحم ومكتنز بالمواهب والكفاءات الفنية الكروية الشبابية الجديدة..
وارجو أن يتقبل لاعبونا الأبطال هذا الأمر بروح رياضية، فالعراق اكبر من كل الرغبات والمصالح الشخصية، وأهم من المتعة والسفر إلى فرنسا (والدبج في بارس).