بقلم: فالح حسون الدراجي ..
لم أجد توصيفاً أرق وأعذب وأشف، ولا أكثر سحراً وعطراً وشاعرية وإبهاراً من الوصف الذي أطلقه الشاعر الفذ مظفر النواب على حبيبه وعزيزه، حين خاطبه قائلاً : ( ياليلة من ليل البنفسج).. وقطعاً فإن القارئ لن يحتاج إلى شرح وتفصيل وتعريف إضافي، لو أغمض عينيه لحظة واحدة، وتخيل معي لون ورائحة وطعم وجمالية وسحر ( ليل البنفسج)..!
وإذا كان مجرد التخيل لمشهد (ليل البنفسج) يضعه في كل هذا السحر والانبهار المجنون، فهل لنا أن نتوقع كيف سيكون حاله ومزاجه وشعوره، لو عاش خمس ساعات بكل دقائقها وثوانيها.. خمس ساعات مزدحمة بالجمال والبهاء والروعة .. خمس ساعات مجنونة من ليلة بنفسجية واقعية حقيقية، وليس تخيلاً أو حلماً فقط.
نعم، هذا ما حدث معي في تلك الساعات التي قضيتها في مطلع الأسبوع الماضي بصحبة باقة عطرة من باقات زمان الحب والجمال والعذوبة والألفة والرفقة العتيقة – كما تقول العظيمة فيروز- هي ليلة سريالية بكل معنى ودهشة السريالية .. ولدهشتها يمكن اعتبارها واحدةً من قصص ليالي (ألف ليلة وليلة) ..
لقد ضمت ( ليلتنا) نجوماً كباراً، أحبهتم ملاعب الكرة، وعشقهم الوطن، وأغرمت باسمائهم وفنونهم الجماهير العراقية بمختلف ألوانها.. كما أحبتهم الحياة بكل ما تملك من حب، فأعطتهم المجد والشهرة والتميز، وعطرت تاريخهم بالذكر الطيب والوصف الجميل وحب الناس .. وبالمقابل، فهم أحبوا الوطن حد التضحية بكل شيء، وأحبوا الناس بلا حدود، وقدموا للوطن والناس كل ما يقدرون بل وفوق ما يقدرون عليه، وما يستطيعون تقديمه ..
لقد عشت خمس ساعات اختلطت دقائقها بأنفاس المودة وعطر الحب والأخوة النقية، وامتزجت مساماتها بشذى الفرح والسعادة المطلقة.. ساعات خمس لم تترك (ثوانيها) للصمت فسحة واحدة، ولم تمنحنا هنيهة واحدة لالتقاط أنفاسنا.. فكنا نتحدث جميعاً، ونستذكر جميعاً، ونضحك كالمجانين جميعاً، ودون استثناء.. ساعات خمس امتلأت بالشعر دون أن نقرأ قصيدة شعر واحدة، واصطخبت بالموسيقى دون أن نعزف لحناً واحداً، وازدهرت بالغناء دون أن يطلق صوت غنائي واحد !
لقد حضر في ليلتنا هذه جنون الشعر وروعة الغناء والموسيقى ضمناً، وحضر السحر والمتعة والإبداع فعلاً وواقعاً، حتى بدا كأننا في مشهد منقول من كون آخر أو (مرحّل) من كوكب ملون بعيد جداً .. ألم أقل ليلة من ليل البنفسج؟
وكي لا اطيل عليكم، دعوني اذكر لكم أسماء نجوم تلك الليلة البنفسجية، لتصدقوا دهشتي وتقاسموني سعادتي، بل وأن تنعشوا ذاكرتكم بندى الورد الذي تناثر على ثواني تلك الساعات الخمس.. تخيلوا ليلة يجتمع فيها: هادي أحمد، ورزاق أحمد، وفلاح حسن، وعلاء احمد، وكريم صدام، ومحمد خلف، ومحمود ابو العباس، وأسماء اخرى لا تقل روعة وجمالاً ونبلاً .. أما كيف اجتمعت هذه النجوم بل هذه الأقمار في بيت واحد؟
اليكم الحكاية:
بعد وصولي بغداد بأيام قليلة، تعرضت إلى وعكة صحية، أقعدتني فيها ( الانفلونزا) في الفراش.. وفي ظل أعراض هذا الفايروس، اتصل بي أخي وصديقي العزيز، لاعب منتخب العراق ونادي الشرطة، محمد خلف، يدعوني إلى لقاء وسهرة مع بعض الأصدقاء الاحبة فاعتذرت له متعللاً ذلك بمرضي الذي يمنعني من اللقاء بأي شخص، خوفاً من أن أصيبه بالعدوى.. لكنه لم يقبل عذري، وقال (آني ما علي، هذا صديقك يريد يحچي وياك)..!