بلاوي نيوز ..
تمهيد:
لم يكن انقضاض سكان هوامش المدن والهوامش الفرعية في ارياف البلاد والميل نحو نهب الممتلكات العامة ( للحكومة المركزية) في ٩ نيسان ٢٠٠٣ إثر هزيمة النظام السياسي السابق بمناى عن جدليات علم الاجتماع السياسي التي ساقها المؤرخ واستاذ العلوم السياسة المقارن في جامعة كولومبيا – الولايات المتحدة (karl August Wittfogel) في تحليل ظاهرة الاستبداد الشرقي (Oriental Despotism) ، وتطوراته والتي جاءت بكتبه الموسوم
(Oriental Despotism A Comparative Study of Total Power) والصادر في العام (1963) عن دار نشر ((Yale University Press ، اذ ارتبط تاريخياً جانب مهم من علم الاجتماع بالحضارات المائية (الهدروليكية ) وعلى وفق نظرية (كارل اوغست ويتفوغل ) الذي وجد في حضارات وادي الرافدين ووادي النيل بانها حضارات مائية وثقافات ذات نظم زراعية اعتمدت على قدرة الحكومة المركزية في (ادارة) شبكات المياه وتنظيمها من خلال السطوة الحكومية المركزية. فهي دول مركزية منظمة للري وواقية من الفياضانات ومتحكمة بالمياه. لذا ينطلق (ويتفوغل) في تحليل ظاهرة (الاستبداد الشرقي ) من نقطة جوهرية مفادها : حيثما يتطلب الري سيطرة كبيرة وسلطة مركزية على الزراعة فان السلطة السياسية التي تمثلها الدولة المركزية ، ستمتلك زمام السيطرة على الاقتصاد لامحالة .وعليه فان مشاريع العمل بالسخرة في تنظيم ري لقاء السماح بالزراعة في اراضي مشاعة (فاقدة للملكية الشخصية) او تعويض ذلك بدفع جانب من الفائض الزراعي كجبايات مالية مركزية ، قد شكلت جوهر الاستبداد الشرقي في تلك الحضارات الشرقية الهيدروليكية دون اغفال نمط الانتاج .
ينصرف البحث في تحليل دور الريع النفطي ودور فوائضه في أضفاء (العسكرة القسرية) وبصورة تبادلية مع دور الارياف الانتاجي في حركة التشكيل الاجتماعي وتاثرها بظاهرة الاستبداد الشرقي في المجتمع الهيدروليكي – الريعي . وتوليد جدلية تبادلية استباقية في تفسير الاستبداد والهيمنة السياسية المركزية،سواء أكان نمط الانتاج الآسيوي(Asiatic Mode of Production ) بالتفسير الماركسي (كما ورد في كتاب راس المال/كارل ماركس في مطلع العام 1850 ) كبنية تحتية من قوى الانتاج وعلاقات الانتاج مؤثرة في البناء الفوقي أي الدولة وتلازم ذلك بفكرة ( الدولة المركزية المستبدة) ام اطروحة (Wittfogel)التي قدمت انموذجا تاريخياً بتطور النظم السياسية المهيمنة عبر فكرة الاستبداد الشرقي (Oriental despotism) نفسه (ذلك تأسيسًا على البنية التحتية للحضارة المائية او الهيدروليكية).
فالفرضية التي يقوم عليها البحث هي ارتباط الاستبداد الشرقي لسلطة الدولة القهرية بدورة الاصول النفطية وتراكم الريع النفطي( oil assets cycle) اذ يتحدد تطور دور الدولة المركزية بادواتها المالية الريعية الهجينة (hybrid) في تسيير نمط الانتاج في الارياف الذي يقوم على استبدال (الفائض الزراعي )كضريبة مركزية (في بسط القوة) واحلالها بعسكرة القوة البشرية الريفية وزجها بانماط مختلفة من الصراعات والحروب الخارجية والداخلية .وعندما ترخى دورة الاصول النفطية ، تتبدل نمطية الاستبداد المركزي مع الهوامش الزراعية حسب درجة التراخي في دورة الاصول النفطية وتاثيرات هيمنة العوائد الريعية على مركزية الدولة وهيمنتها نفسها، و التحول من الاستبداد الشرقي(Oreintal Despotism) كظاهرة (نظمية سياسية مركزية قسرية) كما جاء بها (Wittfogel) الى اشباه النمط الاسيوي للانتاج (Semi Asiatic mode of production) كظاهرة (نظمية أقتصادية ) تتطلب ادارة مستبدة مركزية قوية كما جاء بها (Marx) تقوم على مبدئي :الاول ،تملك الدولة للارض بالغالب ووجود مجتمعات زراعية تنتشر على اراضي شاسعة تتخللها انهر تقطع مساحاتها وتغيب عنها الملكية الخاصة للارض الحيازة أو الغلبة أو التملك بالتقويض. والثاني ، نشوء نظم ري كبيرة تتولى الحكومة المركزية تنظيمها وادارتها وجباية الفائض الزراعي كقوة ضريبية . فتنصرف الهجينية hybridization هنا الى نمط التبدل او التحول في استبداد الدولة المركزية ازاء هوامش المجتمع كالعسكرة كبديل للضريبة ، أو ضرائب التضخم عن طريق أدارة منظومة سعرية مختلفة عند تدهور دورة الاصول النفطية والأشكالية المركزية واللامركزية للأستبداد وظهور الدولة الموازية والدولة العميقة .