بقلم: كمال فتاح حيدر ..
كنت اتابع ما تبثه الفضائيات العربية من وقت لآخر. وأحياناً اشاهد برامجها، وأراقب أساليبها الدونية المبتكرة في التقديم والتحاور وفي اختيار المواد والفقرات التي يفترض ان تكون ذات أهمية جماهيرية عالية. فوجدت 90% من مقدمي البرامج يخاطبون المشاهدين بصوت عال يقترب من الصراخ والزعيق، وبلهجات سوقية مفتعلة لا تخلو من مفردات ابناء الحارات والشوارع. واحيانا اسمعهم يشتمون ويلعنون ويبصقون. يضربون المايكرفون. أو يرمون الأوراق ويبعثرونها داخل الاستوديوهات. يتراقص بعضهم ويغني ويطبّل على سطح المكتب ويطلق القهقهات المصطنعة. تشعر انك في مواجهة سيول من التهريج والإسفاف والابتذال والتهتك. .
يقول الفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه (نظام التفاهة): ان التافهين قد حسموا المعركة هذه الأيام ونجحوا في التشويش على عقول معظم الناس. فتغيرت القيم الآدمية، وتبدلت المفاهيم الأخلاقية. فعندما تختفي المبادئ الراقية يصبح الانحلال علامة فارقة في الذوق والسلوك وفي سوء المعاملة. .
لفت انتباهي ان معظم الفضائيات والمنصات العربية تجاوزت مرحلة نشر التفاهة، وتوجهت نحو تكريسها وتعميقها بين شرائح المجتمع. وبات واضحا انهم يريدون ان يجعلوا التفاهة هي التي تسود المجتمعات وصولا إلى هدم المؤسسات التعليمية، وإفراغ الجامعات من محتواها العلمي والثقافي والحضاري. فقنوات التفاهة هي الأدوات التي اعتمدتها القوى الظلامية في تجهيل الناس وتسفيه عقولهم. .
لقد تحولت مواقع السوشيل ميديا إلى منصات للفاشلين والعاطلين والسفهاء والمغفلين. يمارسون هواياتهم السخيفة في الليل والنهار. عندهم من الوقت ما يكفي للتجريح والتراشق بالألفاظ النابية. ليست لديهم التزامات ولا معايير اخلاقية. . هنا فتاة تستعرض مفاتنها السليكونية. وهناك شاب يتباهى بأنوثته. وعاهرة تتحدث عن العفة والشرف، وتاجر مخدرات يؤدي طقوسه الدينية على طريقة المبتذلين، ونكات خادشة. ومزاعم كاذبة. وتبريرات سياسية خادعة. .
كلمة أخيرة: لن يُفنى العالم بسبب قنبلة نووية كما تقول التوقعات بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة التي ستحول الواقع إلى نكبة حقيقية تعصف بديارنا كلها. .