بقلم : كلثوم الجوراني ..
أنت امي ،
أ تسمحين لي بالنوم في أحضانك ، أشتهي أن اشمك طويلاً ثم أنام
_ أنا لست امك ولا اسمح لك بهذا الكلام الجريء
لماذا لا تصدقينني أنت امي التي فقدتها منذ أربعين سنة أأبله أنت ؟ كيف اكون امك وأنا وأنت بنفس العمر
فارس القائد في الجيش المتغطرس الذي يهابه الجميع يبكي كالطفل بين يديها ولكنها كانت قاسية القلب وكأنها قطعة من خشب لم يحرك عاطفتها بل كانت تستصغره وتستهين به
فقد فارس أمه وهو بعمر السابعة وكان وحيدها والمدلل لديها كان أبوه ضابط كبير في الجيش تزوج بعد امه بثلاث نساء كل واحدة منهن أنجبت جيشاً من الأولاد ولكن فارس بقي يتيم حيث لم تكن إحدى هؤلاء الثلاثة أم له أو تعامله بشيء من العطف والحنان .
كبر فارس ولم يكن يحب الدراسة كباقي إخوته ولكنه مجبر على أن يكمل دراسته حتى يصبح ضابطاً كما أراد أبوه له
وأخيرا أصبح ضابطاً وكانت صفته الحزم ، تقاسيم وجهه تنبأ عن شخصية غامضة قوية ، الكل يحترم فارساً ويبجله
وكأي ضابط ملتزم تتوالى على فارس الترقيات حتى أصبح قائداً
يأتمر بأمره ضباط آخرون ويطيعه جنده ، كان قليل الكلام والاختلاط يقضي أوقات فراغه بالقراءة حتى قهوته كانت مميزة فهي تخلو من السكر كي لا تفقد طعمها .
قرر فارس أن لا يتزوج خشية أن تموت زوجته ويبقى أبنائه ايتام كما حصل معه ، وبرغم من وسامته ومنصبه وعشرات المعجبات من حوله والعوائل التي تتمنى أن يطرق بابها كي يصاهرهم إلا أن فارساً ثابت على قراره ، بانت على وجهه خطوط الزمن ولون شعره الاسود شيء من بياض الشيب وبدأت علامات الكبر تظهر عليه ولم يثني ذلك فارسا عن رأيه في الزواج .
بنى بيتاً كبير وكأنه قصر من حيث الفخامة ، كل شيء في بيته يدل على الذوق الرفيع ، الارائك وكأنه جلبها من العصر الكلاسيكي القديم تزين جدران منزله لوحات قديمة بعضها تبدو كخربشات لا يفهمها إلا ناقد تشكيلي ضليع بالفن ، طاولات من الزان وخزانات مرففة تستقر على رفوفها القليل من التحف النادرة .
حرص فارس أن لا يقتني الا النوادر وكان صعب ان يعجبه شيء أما البشر فأصدقائه لا يتعدون اصابع اليد متحفظ ينأى بنفسه عن مخالطة عامة الناس وله بالنساء رأي أخر فهو يراهن ساذجات مثيرات للشفقة حتى أتى اليوم الذي وقع فيه بشباك امرأة قوية ، التقى فارس بسيدة خمسينية ملئت التجاعيد وجهها ويداها ولكن أناقتها وروحها المرحة تجعل من يراها يظن أنها طفلة ،مرحة ضحوك ولكنها جبل من القوة ، ذكية جدا، متفوهة لبقة .
ولأول مرة ينهار فارس أمام امرأة ينظر لوجهها ويرسم ملامح امه ، غير عادته يتقرب إليها وهي تتجاهله وتلذعه بكلمات عساه يبتعد عنها فقد ازعجها بتودده ، تجاهلته كثيرا وكل ما زاد تجاهلها إياه زاد شغفه بها ، حتى وقف إمامها صارخا بوجهها انت ملكي انت لي اريدك ان تكوني امي وبكى خالعاً ثوب كبريائه أمامها .
اشفقت عليه ولكتها ما زالت ترفضه فهي لا تريد أن يدخل رجل لحياتها كي لا يقلق استقرارها ومع الرفض والقسوة ما زال فارس متمسك بها يستجدي عطفها يظنها أنها امه ولكن كيف لسيدة بعمره أن تكون أماً له ، يجلس في منزله ينسج أحلامه بأنها ستكون سيدة هذا المنزل وأنها ستكون الزوجة الام .