بقلم : حسين المحمداوي ..
تخيلوا بلداً يغيب فيه القضاء عن المشهد ولا يتصدى فيه القضاة لشؤون الفصل في المنازعات وإنصاف المظلومين وكبح جماح العنف والجريمة وإصدار الأحكام الرادعة بحق كل من تسول له نفسه الإعتداء على الناس وسرقة أموالهم وممتلكاتهم والتجاوز على القانون والقيام بما يخالف القواعد الإنسانية التي توفر ضمانات العيش الآمن والسلام لأبناء المجتمع الذين يضعون ثقتهم بمن يحكم ومن يوفر لهم الأمن الإجتماعي والإقتصادي ويمنع كل من يريد إنتهاك تلك القواعد ومخالفة القوانين والأحكام الشرعية والقانونية التي تتيح للناس أن يشعروا إنهم بمأمن من الإعتداء عليهم وإلحاق الأذى بهم .
وفي العراق وبعد أن كان كل شيء محكوماً لسلطة الدكتاتور وكان يعين من لا علاقة لهم بالقضاء في محاكم صورية يصدرون الأحكام القاسية والتي كانت في أغلبها الإعدام . فقد تحولت الأمور بعد العام 2003 ليتم تشكيل مجلس القضاء الأعلى الذي أصبح سلطة مستقلة ورئيسه بمستوى يتيح له السهر على حماية الدستور والقانون والثروات الطبيعية والفصل في المنازعات السياسية والإقتصادية وقد وجدنا كيف تطورت هذه المؤسسة إلى درجة جعلتها الحامي لمستقبل البلاد والدرع الحصين في وجه التحديات مع كل ذلك التسقيط والهجوم غير المبرر الذي كان البعض يريد منه طعن القضاء والتنكيل به وتحويله إلى مؤسسة خاضعة للأهواء حيث نجح القضاء العراقي في تحقيق الاستقلال الكامل والإبتعاد عن المناكفات السياسية ، أو الرضوخ للإملاءات من هذا الطرف أو ذاك برغم تزايد حدة الصراع السياسي ورغبة كل طرف في تسيير الأمور في الوجهة التي تخدم مصالحه وتضمن هيمنته على القرار في الدولة وهو ما يحسب للقضاء ومؤسسته التي جعلت من الأمور تأخذ المسار الصحيح .
وبعد العام 2003 فأن السلطة القضائية أخذت دورها بهدوء وكانت في مستوى الأحداث والتطورات وفقاً لدورها ومسؤوليتها المهنية والأخلاقية وبمرور السنوات كانت الحوادث الكبرى والقضايا العالقة تمثل إمتحاناً عالياً للقضاء في العراق الذي مارس دوراً حيوياً في فض التنازع السياسي وفي قضايا الإنتخابات والدستور والمنازعات بين المركز والإقليم حيث إنتصر القضاء للمصلحة العليا للدولة ومسؤوليتها تجاه الشعب ومصالحه العليا والحيوية ولعل تولي القاضي الدكتور فائق زيدان رئاسة مجلس القضاء الأعلى مع مجموعة مختارة من القضاة الأكفاء جعل من القضاء في حالة من الثقة الكاملة وتابع كثر قرارات المحكمة الإتحادية برئاسة القاضي جاسم العميري المحترم التي إنتصرت لحقوق الدولة في مواجهة المكونات في قضايا النفط والغاز والقرارات السياسية العالية التي كانت بمثابة جرعة علاجية فعالة للخلل المزمن في مواجهة التداعيات السياسية حيث أشاد مراقبون بحزم وحسم القضاء وشجاعة القضاة في إصدار الأحكام القاطعة التي لجمت كل من يحاول الإساءة للدولة وحضورها ووجودها الخلاق .
فتحية وتقدير للقضاة الشجعان ولرئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور المحترم فائق زيدان ورئاسة المحكمة الإتحادية المتمثلة بالقاضي الشجاع الأستاذ جاسم العميري المحترم ولكل قضاة العراق الذين واجهوا التحديات الصعبة وسنوات المحنة والتهديدات الإرهابية المتكررة ولم يتراجعوا عن دورهم ومسؤوليتهم وحبهم لوطنهم العراق الذي إمتزجت دماء أبنائه بتراب أرضه الطاهرة وكل يوم والعراق وحماته بخير وسلام ومحبة . mhamadiy@yahoo.co