بقلم : وجيه عباس ..
أضعت قدميك حين ضاعت الكوفة بين أزقة الصلاة، صلى خلفك أيها الغريب سبعون ألف، وحين سلمت لم تجد أحداً يدلّك على الطريق، لاوجود لإشارات المرور في أزقة الكوفة، لهذا بحثت قدماك عن “طوعة”، كان يمكن لك أن تحتفظ بما تبقى من نسل عقيل لو إنك انسحبت من سفارة الحسين وأعلنت انشقاقك مثل سفراء ليبيا وتونس وسوريا، كلهم عرب أقحاح، لكن الفرق بينك وبينهم أن لك ابن عم اسمه الحسين بن علي بن أبي طالب، كان يمكن لك ان تشكّل ميليشيا بمن صلى خلفك وهجمت على دار الإمارة وأعلنت نفسك أميراً للكوفة، لكنك تأخرت فتقدموك، وتقدّمت فتاخروا عنك، كان لك أيها الصاعد فوق قصر الإمارة لترمى من شاهق أن تنال دور البطولة وتلقي بيدك الثائرة رأس ابن زياد ليتلقف صبيان الكوفة رأسه ويدورون به، لكنك عملت بقول عمك علي وقلت بأن المؤمن قيد الفتك، بدل أن تهبط على رأسك من قصر الكوفة مذبوحاً كان يمكن لرأسك أن يبقى مكانه، وأن تحمل “حميدة” إلى أية مدرسة للمتميزين من أبناء المسؤولين،كان لك أن تنتفع بمخصصات الإيفاد، كل السفراء يحملون أعلام حكومات أقاليمهم بدلاً عن رايات بلادهم وهم يمصون ضرع وزارة المالية، كان يمكن لك أن تدخل في مزاد المرابين بمن اتبعك في أولى الخطوات وأن تستثمر وجاهتك بينهم، هم يحتفون بك في اللحظة الأولى، وإن أجّلت عمل اليوم إلى غد… قتلوك!!.
يابن عقيل، الكوفة التي دخلتها أميراً تركتك حسيرا، لم تتقن لغة قوم جاء بهم إبن أبي سفيان إلى الكوفة الحمراء ليوم مثل يومك، الكتب التي وصلتك كانت مزورة بختم أصحابها الحقيقيين، كل صاحب ختم اشترك بدمك، تواقيعهم هي التي كتبت مرسوم إعدامك على قصر الإمارة، ووجودك غريباً بين أزقة الكوفة كانت الرسالة إلى كل رسول تحدثه نفسه أن يفقّس بيضة إسلام بني أميّة!.
بدل أن تنتظر”حميدة” من أبيها ان يأتيها بألعاب العيد، تحصل على مسحة من يد الحسين لتدخل دار الأيتام، ياحامل الرسائل: طريق الكوفة موحش فلماذا تركت كربلاء على شمالك؟ لماذا آثرت أن تكون يمينياً أيها اليساري القديم؟ اليمين في شيعة أبي سفيان لاعلاقة لها بيسار علي، لهم ماينهبون بيمينهم ويخفونه على يسارهم حتى لايعلم الجيب مادخل فيه من دماء!، أكاد أتيقن أن مصرف الدم الحسيني أترع خزائن بني أمية، ولو أنهم تاجروا بالدماء لوجدت مكاتب صيرفتهم تملأ البوادي.
أيها الواقف على قصر الإمارة وعيناك تنظران إلى ركب ابن عمك، اهبط من عليائك، دع راسك يتدحرج بين أرجل صبيان الكوفة، لا “طوعة” تسقيك الماء بعد الآن، ولداك بانتظار “طوعة” أخرى تؤويهما من الطريق ليقوم زوجها بذبحهما، فارس يسحلون جسده في الكوفة إنذار مبكر لسبعين راساً يشيلونها غداً على الرماح ورأسين صغيرين لك يشبعهما الفرات خوفا.