بقلم : كلثوم الجوراني ..
ولدت في قرية تحيطها الأشجار وحقول القمح والشعير، النسيم في تلك القرية يكاد لو مر على القبور لاحيا من فيها، صوت تدفق المياه في السواقي وزقزقة العصافير وأصوات المواشي كلها تدعو إلى الحياة
ولدت بأحضان الطبيعة الخلابة وربيت على مكارم الاخلاق .
تلهمني جبال جرجرة الشموخ وتوطد في نفسي العزة
لم تكن طفولتي قاسية بل كان أبي من أعيان القرية واثريائها .
ذات يوم وانا في عمر الأربع سنوات سمعت امي تندب مولولة ولا اعلم ما السبب ولكنني فهمت فيما بعد أن الفرنسيين قد احتلوا البلاد وكان ذلك سبب ولولة امي وبكائها، دموع امي ورجفة شفتيها لم تغادر مخيلتي ، تحولت اغانينا نحن الاطفال إلى أناشيد وطنية نسمع كل يوم قصص الثائرين واخباراً عن غطرسة الاحتلال وجرائمه فتنمو في نفوسنا روح الثورة .
أنا عميروش الذي إطاح بخطط العدو الفرنسي واحبط مخططات روبير لاكوست حتى شك في عبقريته ، تركت حياة الرفاهية والترف وتركت دراستي في كلية الحقوق وعملت في أحد المتاجر إلى جانب نشاطي السياسي في توزيع المنشورات التي تستنهض الهمم وتحرض الناس على القتال ومناضلة الاحتلال في إحدى الليالي جمع روبير القادة والخبراء العسكريين ليخطط خطة محكمة توقع بالمجاهدين وتقتل اكبر عدد منهم فكانت خطة تذهل عقول الشياطين لذكائها واحكامها ولكنني افشلتها وتركت روبيراً حائرا مذهولا وكان نشاطي ملحوظا مما جعل العدو يعتقلني مرتين، في المرة الأولى اقتادوني وظننت أنها النهاية إلا أنها كانت اسوء من النهاية بكثير لقد وضعوني في زنزانة لا تصلح سكنا حتى لحيوان ، أرضها الرطبة والطحالب تملأ جدرانها ورائحة العفن تزكم الانوف ، كانت باردة جدا حتى أنها أبرد من الشتاء ذاته ، ظلماء كأنها قبر ، يخرجونني منها للتعذيب واي تعذيب ، سياطهم عندما تلامس جلدي تسلخ جلدي معها ، احيانا كنت اصحوا لارى العالم بالمقلوب ، نعم فبعد أن يغمى عليّ يعلقونني من قدمي ورأسي الى الاسفل ، أشعر أن رأسي ينفجر وعيني تكادا ان تخرجا من محجربهما ، لم يكن هذا كافيا فما أن استفيق حتى تنهال عليّ الركلات والصفعات ووابل من الجلد ، تعرضت لاشد انواع التعذيب والإهانة من قبل الاحتلال ثم أفرج عني وما هي إلا اشهر قليلة وعدت إلى ذات الزنزانة وذات العذاب ثم أفرج عني ، لم يثنني الاعتقال والتعذيب عن مبادئي كثائر يقارع الاحتلال بل زادني ذلك عزم وهمة ، بعد الاعتقال عدت لمزاولة نشاطي السياسي ثم اندلعت الثورة التحريرية فألتحقت باخوتي المجاهدين ومنذ الايام الأولى لالتحاقي ابديت قدرة كبيرة في تنظيم الجهاد مما جعلني اتدرج في المسؤوليات وفي فترة وجيزة ارتقيت لرتبة ملازم ثان تمكنت من خلالها مواجهة كل خطط العدو واحباطها ومن أشهرها خطة (الامل والبندقية ) التي كانت عصارة افكار العبقري روبير لاكوست .
بذلت كل جهدي في القتال من أجل استقلال الجزائر حتى ارتقيت شهيدا .
عميروش الشهيد مات جسدا ولم يمت فكراً ، عميروش له الأثر البالغ في نفوس الثائرين ، عميروش اسم لن تنساه الجزائر وشعبها ابدا فدماء عميروش وزملائه المجاهدين هي من أرست دعائم الثورة وشقت سبيل النضال ، بعد استشهاد عميروش بثلاث سنوات أعلن استقلال الجزائر وطرد المحتل خارج البلاد خائبا خاسئا والفضل بذلك للرائدين من أهل النضال والجهاد ومن اوائل اولئك المجاهدين هو عميروش ، سماء الجزائر ملئى بنجوم الحرية وعميروش من المعها واجملها ، عميروش صفحة مضيئة من صفحات تاريخ الجزائر ، ومشعل يضيء دروب الثائرين .