بقلم: فالح حسون الدراجي ..
تحاصرني مكارم الأحبة كلما وطأت قدماي أرض العراق (المقدسة)، ويغرقني فيض ودادهم بعطر الحب وأريج الجمال
الذي لا يتوقف ولا يقبل التأجيل، فتغمرني دعوات الأصدقاء والأحبة مذ لحظات وصولي بغداد حتى لحظات مغادرتي.. البعض من هذه الدعوات يأتي على شكل (وليمة) كريمة تكون في بيت ( رائد ضامن) مثلاً، أو في مطعم راق، قد أحضرها وحدي، أو ربما تكون الدعوة عائلية، وأحياناً جماعية، يشاركني فيها عدد من الأحبة الأصدقاء والزملاء والرفاق.. وبعض هذه الدعوات يأتي على شكل سفرة (سياحية) إلى إحدى مدن العراق..
ثمة دعوات كريمة تركت أثراً بالغاً في نفسي، وقد عبرت عن روعتها في أكثر من مقال نشرته هنا، حتى أن حلاوة طعمها لم تزل في فمي حتى اللحظة..
وغير هذه الدعوات، هناك دعوات (احتفائية) تكريمية، تقام لي على شكل أمسيات ثقافية، لها دلالات ومعانٍ نبيلة..
ومن بين هذه الدعوات، أو الأماسي التكريمية التي أقيمت، أذكر الأمسية الشعرية الرائعة التي أقامها لي الزميل جبار فرحان رئيس اتحاد الادباء الشعبيين العرب، ورفاقه الأعزاء، وهي الأمسية التي تركت انطباعاً طيباً لدى الجمهور الكبير الذي حضر، كما تركت أثراً حميمياً كبيراً في قلبي ..
وعدا هذه الأمسية الباهرة، وأماسٍ شعرية واحتفالية عديدة أخرى أقيمت لي في مدينة الثورة (الصدر)، وغيرها من المدن التي لايسع المجال لذكرها جميعاً، أذكر تلك الأمسية المهمة والناجحة التي أقامها لي الزميل النشيط، الإعلامي حسين الذكر، ورفيقه الصديق العزيز صادق العتابي، في مركز إفرست للإعلام..
ولعل (نوعية) هذه الفعالية، ونوعية الجمهور الذي حضرها، جعلني أمنحها خصوصية وميزة استثنائية رغم أن الحضور لم يزد على الخمسين أو الستين شخصاً.. لكن الذي دفعني لتخصيص هذا المقال لها وعنها، هو تميز الفعالية وتميز جمهورها أيضاً ..
لقد كان الحضور محسوباً بدقة، وحسابه جاء وفق عدد كراسي القاعة المحدودة، فمساحة مركز إفرست صغيرة جداً، لذلك كان رئيس المركز الزميل حسين الذكر دقيقاً في توجيه الدعوات الشخصية لحضور هذه الأمسية، حتى أننا لم نعلن عنها في وسائل الإعلام خشية ان يكون الحضور كبيراً لا تستوعبه كراسي القاعة حتماً ..
وبناءً على ضيق القاعة، كان الجمهور الحاضر من نوعية خاصة، أي جمهور ( نخبة) كما يقولون .. إذ كان بين الحاضرين سبعة أشخاص يحملون شهادات الدكتوراه، وعدد من الأساتذة الأكاديميين، وعدد من كبار المثقفين العراقيين، ومن الشعراء المبدعين.. فضلاً عن حضور نخبة من نجوم منتخبات كرة القدم والمفاصل الرياضية العراقية الأخرى، ناهيك من حضور عدد غير قليل من أقلام الصحافة الرياضية المميزة في العراق.. فضلاً عن عدد من المسؤولين والكوادر الرياضية التي حضرت بكل تاريخها وإرثها، وأسمائها اللامعة.
إن وجود الشعر والرياضة معاً في مسرح واحد أمر يثير الدهشة والاستغراب لدى البعض، ويدعو للسؤال حتماً، فيقول السائل مثلاً : كيف اجتمعت الرياضة بالشعر، وهما في طريقين أو خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً ؟
لكن الدهشة تزول، والجواب على هذا السؤال الملتبس يحضر سريعاً حين يعرف السائل أن المحتفى به كان قد جمع الشعر والكرة في طريق حياته، حين بدأ مسيرته لاعب كرة قدم، ثم تركها (لاعباً) لأجل الشعر دون أن يغادر فؤاده حب الكرة أو يهجر ملاعبها..
ولم يكن سؤال المحاور الزميل حسين الذكر مفاجئاً لي، حين سألني عن (أول فريق لعبت له، وأول قصيدة كتبتها في حياتي).. وللحق، فإن الجمهور الذي حضر أمسية مركز إفرست لم يكن جمهوراً (غريباً) قط، بل كان جمهوراً (حبيباً) بكل معنى الكلمة، لذلك كانت الشهادات التي زاد عددها على العشرين شهادة، والتي قدمها المتحدثون عني، أمام الجمهور وأمام التاريخ، كانت شهادات حقيقية صادقة وناطقة بالوقائع والتواريخ والشخوص وأسماء وصور الأماكن والاحداث، خاصة وأن بعض الحضور كان من أبناء قطاعي (قطاع 43)، تنفسوا معي عبير تلك الأيام المترعة بالحب والجمال والنقاء والطيبة الجنوبية، رغم ظلم الزمن
وقسوة السلطات البعثية. وللحق أيضاً، فإن أمسية مركز (إفرست) كانت (كبيرة) رغم صغر المكان، وناجحة جداً رغم فقرها المادي، وأظن بل أجزم أن أمسيتي تلك لم تكلف القائمين عليها قرشاً واحداً.. كما يجب أن أذكر هنا بكل تقدير واحترام باقة الورد العطرة التي بعثها معالي وزير الشباب الدكتور أحمد المبرقع، والتي قدمها أخي وزميلي وصديقي الإعلامي حسام حسن مدير عام دائرة العلاقات والتعاون الدولي في وزارة الشباب ..
وقبل أن أختم مقالي هذا يتوجب عليّ أن أذكر بكل الحب والتقدير، كرم ونبل الزميلين حسين الذكر وصادق العتابي، لسعة صدريهما، وصبرهما على (مزاجي)، وانتظارهما موافقتي على إجراء الأمسية لأكثر من شهرين دون أن يضجرا أو ييأسا من تحقيق الهدف .. فشكراً جزيلاً لهما، وشكراً لمركز إفرست الفقير (مالاً) والغني (جمالاً وحالاً)..
والف شكر لكل من حضر تلك الأمسية .. وعذراً عن عدم ذكر الأسماء، لأني لم أجد أحداً أجمل من الآخر لأذكره هنا دون غيره .. فهل هناك وردة أحلى من الأخرى، إذا كان الموسم ربيعاً، والبستان وفيراً معطاءً، باذخ الجمال، و دجلة يروي بمائه السلسبيل، أغصانه المكتنزة بالخضار والطيب والروعة ؟!