بقلم: كمال فتاح حيدر ..
كانت عدسة التلفزيون تتجول في شوارع بغداد. تسأل المارة عن معنى مفردة (أورنج). قال احدهم انه: (القولنج) من دون ان يعرف ما هو القولنج. ثم سألهم المذيع عن (الطحال)، فقال كبيرهم: انه قائد عربي شارك في الفتوحات الإسلامية، وقال آخر انه نوع منقرض من الطحالب المائية. وما إلى ذلك من الأجوبة الغبية التي تعكس مؤشرات الجهل في معظم المجتمعات العربية. .
لا علاقة لموضوعنا بالعراق، فقد شعرت بألم كبير في ظل الهجمة الشرسة التي تقودها الحكومة المصرية لتهديم ركائز قلعة العلوم والفنون والآداب في ارض الكنانة، فعندما يقف وزير التربية مكتوف الأيدي (لا حول له ولا قوة). ويصطف معه وزير التعليم العالي ويقف الاثنان فوق التل، ويتدخل الحاكم العسكري في أدق تفاصيل الشؤون التعليمية، ليحذف ما يشاء من المواد، ويلغي ما يشاء من المقررات الدراسية، ويرمي مناهج التاريخ والجغرافيا والنحو والصرف واللغات في سلة المهملات، ويتلف مواد الإدارة والاقتصاد والفلسفة والمنطق والقانون والسياسة، ثم يشطب المراحل الأدبية كلها من الإعداديات والمعاهد والجامعات، بذريعة تحقيق النهضة الصناعية، وبحجة إحراز القفزات التنموية، فاعلم ان ذلك البلد سقط بمحض ارادته في مستنقعات الجهل والتخلف. .
فقد تخلت جمهورية مصر العربية عن برامجها المكرسة لمحو الأمية، وابتعدت تماما عن خططها العلمية والمهنية التخصصية، واعلنت الحرب على الثوابت التدريسية والمقررات التربوية بأمر من قادة الجيش والباشوات وأصحاب النياشين والرتب العالية. .
حتى اللغات لم تعد مصر بحاجة اليها، وسوف تعتمد على تطبيقات الترجمة الفورية في الهواتف والأجهزة الذكية، ثم خرجت علينا فضائيات الصوت الواحد بتبريرات عجيبة، اقترحوا فيها اقتناء كتيبات تعليم اللغة الإنجليزية او الفرنسية في خمسة ايام. والاستغناء نهائياً عن دراسة معظم المقررات، حتى لا يعلم المصري شيئا عن تاريخه وحضارته، ولا يعلم عن حدوده وتضاريسه الجغرافية، وينسى خارطته ومياهه النهرية والبحرية، وينصرف إلى الرقص والغناء والتلحين والموسيقى، تحت شعار: (بيت الطرب ما خرب). حتى الجيش نفسه تحوّل قادته إلى إدارة معامل تصنيع الحلوى والبسكويت وتعليب الفاصوليا، وتجميد الجمبري، وخياطة المحارم القطنية والملابس النسائية. والإنتاج السينمائي والمسرحي. وإدارة البارات والملاهي الليلية والمدن الترفيهية. .
نخشى ان تهب على العراق رياح الخماسين فتحمل معها لواقح الجهل والتجهيل، وهي من وجهة نظري غير مستبعدة، فقد ظهرت لدينا الأفواج المسلحة المكلفة بمكافحة الدوام المدرسي في معظم المدن العراقية الجنوبية. ثم ابتلينا بامتحانات الدور الثالث، وانتشرت لدينا الجامعات الأهلية المتقاطعة مع ابسط التعليمات والضوابط. حتى بات من غير المستبعد انتقال التجربة التعليمية البائسة من وادي النيل إلى وادي الرافدين. .
تأتي الانتكاسة التعليمية في مصر في الوقت الذي كسّرت فيه (هيفاء وهبي) الأرض تحت اقدام المتدافعين والمتدافعات في حفلتها الإسكندرانية الجنونية، وقفت وهتفت بأعلى صوتها: (أنا هيفا) ولم يبق احد هناك إلا وباس الواوا. (ليك الواوا بوس الواوا خلي الواوا يصح. لما بست الواوا شلتو صار الواوا بح). .
ولله في خلقه شؤون