بقلم : ا.د.ضياء واجد المهندس ..
في بغداد ، أيام حكم البويهيين ،، دخل رجل عجوز ،رث الثياب في دار القضاء ، وجلس حتى أذن له الحاجب بالدخول إلى القاضي..
سلم الرجل على القاضي فقال :
السلام عليك أيها القاضي العادل الجليل ، أنا رجل فقير ولي سبعة عيال وأمهم ، ولا أملك في دنياي سوى حصان أصيل هو كل ثروتي وعربة و دولابين .
استمع القاضي لهذه المقدمة من الرجل العجوز ، ولكي لا يطيل الرجل قاطعه القاضي وقال له :
قد فهمت أيها الشيخ الفاضل أنه بدون حصانك العزيز وعربتك تسوءالأمور ولست رجلا فضا” متكبرا” أو مغرور ، ولكن أخبرني قصتك دون أن تلف أو تدور ..
نزلت الدمعة من عين الرجل العجوز ،فحزن القاضي و أجلسه ، وطلب منه أن يكمل كلامه . فقال :
بالامس ،هجم على مزرعتي (جند الوالي). ضربوني ، وتهجموا على عيالي، وسرقوا ما وجدوه من قليل مالي ، فأنجدني ياقاضي وأرجع لي حلالي .
استمع القاضي جيدا إلى الرجل العجوز ،وأدرك أنه وقع في ورطة كبيرة ..
فمن ناحية يدرك جيدا أن لا سلطة له على (جند الوالي البويهي) ،ولن يستطيع أن يفعل معهم شيئا وقد يُسجن هو إن تعرض لهم .
ومن ناحية أخرى لم يرد أن تهتز صورته كقاضِ ويخرج الرجل للناس، فيخبرهم أن القاضي لم يفعل له شيئا ..
وبعد تفكير .. رفع يديه إلى أعلى وقال .:
إلهي أنت يارب السماء ،
أتوجه إليك بخالص الدعاء .
أن تذيق (حرس الوالي) الشقاء ،وأن تنزل بهم عظيم البلاء.
ثم نظر إلى الرجل فوجده مازال ينتظر بلهفة أن يكمل .
فقال القاضي .:
هؤلاء قوم سفلة وحوش أراذل ، لم يتربوا في بيوت أو منازل ، وفي الذنوب والمعاصي هم الأوائل ،ليس بينهم وبين الحرام أي حائل ، ولا يفي سفالتهم مهما قال أي قائل ،نحمدالله أنهم معدودون وقلائل ، وليس من مطاردتهم أي طائل …
وبينما القاضي يدعو ويشتم (حرس الوالي ) أدار الرجل العجوز ظهره وهم بالخروج دون أن يقول شيئا..
استنكر القاضي هذا الأمر وقال :
إلى أين تذهب أيها العجوز ، تخرج دون سلام هذا لا يجوز ..
التفت الرجل إلى القاضي وقال ..:
إذا كنت من تمسك زماما في القضاء و(ما هو بشغل بل هو من الله ابتلاء )ولا تحسن سوى الشتم والرثاء مثلك مثل بقية عجائز النساء،
فسأذهب إلى جارتي ( جمانة ) الشمطاء .
فهي تلعن وتشتم صبحا ومساء ، ولا يحسب لها مدحا أوثناء . وهي تفوقك مهارة يابن النبلاء ،وما تفعله أنت ليس من شيم الشرفاء ..
في هذا الاثناء ، سمعا ( القاضي والرجل العجوز ) ضجة خارج الدار ،دخل بعدها ابن القاضي و هو يصيح : أبتاه ، لقد هجم ( جند الوالي ) على دارنا و سرقوه..
فما كان للقاضي إلا أن يسقط على كرسيه وهو يقول : حسبنا الله ونعم الوكيل ..
كيف أنصف الناس حقهم وانا حقي معهم مسلوب ؟؟؟!!أو اترك القضاء وانا على امري مغلوب ؟؟!!!!!!!!!!! فإن الظلم والجور والفسق لعنة اللعناء ولا يفوقها جرما إلا سكوت القضاة وصمت العقلاء ……
بغداد ،هذه الأيام ،،تنتظر قضاة لا يخشون في الله لومة لائم ،، لمعاقبة السراق و المزورين و المبتزين و الفاسدين..
البروفيسور د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي