بقلم : هادي جلو مرعي ..
تنتشر الأمراض، وتصيب عامة البشر، ولكنها توزع المهام، فمرض ما يصيب البعض، ويتسبب بألم ومعاناة، ونهايات مختلفة، وقد ينجح الناس في مقاومته، والتغلب عليه، وهناك ماهو أخف كنزلات البرد والصداع.. ولاأدري على وجه اليقين ماإذا كان الصداع مرضا ؟ غير إن الصداع المستمر كالشقيقة قد يكون مرضا لأنه يطول ويتكرر ويستدعي العلاج، وهناك أمراض كالسكر والضغط والعلل التي تصيب أعضاء في الجسد تستدعي تداخلات جراحية وأدوية كأمراض القلب وإلتهاب الكلى والبنكرياس والكبد والأمعاء والقولون، وهناك أمراض تستمر، ثم تمضي، وأخرى تمضي، لكنها لاتعود كما جاءت لوحدها، وقد يرافقها من أصابته وقتلته، وفجأة تظهر بعض الأمراض الوبائية التي تمتحن البشر، وتحيلهم الى مجموعات من الخائفين القلقين ككورونا ومرض جدري القرود والحمى النزفية وإنفلونزا الخنازير والطيور، وكان الناس في الماضي عندما تمرض دجاجة، وتتلوى، ويخرج منها الذرق يذبحونها ويطبخونها، ويكون حساؤها لذيذا وكان الناس يسمون تلك الحالة المرضية ( أبو ذريق) نسبة الى الذرق الذي ينزل منها، وقد لاتسيطر عليه.
المنصب مرض قد يأتي صدفة كما هو حال بعض الهاربين من ملاحقيهم الذين أقرضوهم مالا قبل عقدين، أوأكثر من الزمن، وفجأة يجدون أنفسهم وقد صاروا مدراء عامين ومسؤولين كبارا تنحني لهم الرؤوس، ويصطف الناس على أبواب مكاتبهم وبيوتهم طلبا للخير والرضا والمنفعة، وقد يأتي عن جهد وعناء وتعب ودراسة وخبرات تتراكم، ولكنه في النهاية شبيه المرض، فالأعراض التي تظهر على المصاب بمرض المنصب أولها عدم الإتزان والشعور بالفوقية، ثم الرغبة في التحكم والسيطرة وتحييد الخصوم والمنافسين، وتغيير شكل العلاقة مع الناس، وتغيير الأصدقاء الى آخرين لديهم مناصب وأموال وسطوة، وحين تسيل الأموال بين يديه يغير هندامه، ولايعود يهتم بثياب بأسعار عادية، ولاأحذية من ماركات وضيعة، ولاساعات من ماركات رخيصة، ويعمد الى شراء كل جديد وغال منها، ويقتني مايريد، وكل يوم يأتيه فهو عيد، ثم رويدا يتحول العيد الى مواعيد من أجل عقد الصفقات، وكسب الأموال، وتحقيق المصالح من خلال علاقات مع متنفذين. وسرعان مايتغير نظام الحياة لدى المصاب بهذا المرض الخطير حيث يبدأ بالإنتقاص من الناس، وربما من أهله، وشعوره بالعظمة وهم بالدونية والرخص، ويسافر الى ماشاء من بلاد، وتترسخ لديه الرغبة في السيطرة والنفوذ، وعدم التردد في محاولات الحصول على المزيد من المناصب مادام يمتلك الرغبة والجرأة التي تغيب عن آخرين..
نجح أهل الأرض في حماية أنفسهم من الأدواء والعلل، وبعضهم لم يستطع فعل ذلك فأصابهم الداء، وقد لايكون ذلك نهاية الأمر فالأرض مفتوحة على أسماء وعناوين وأصدقاء وأمراض، وينبغي أن نفعل مابوسعنا لكي نتجنب المتاعب، ونصل الى بغيتنا، ولكن سكان الأرض مع مايمتلكون من خبرات وكفاءات وأصحاب ثقافة وعلم لم يجدوا دواءا لمرض المنصب الذي يهلك الناس، ويصيبهم بالوساوس، وتترنح عقولهم من الدهشة في ظله. فهو بالفعل ليس مرضا عاديا، ويمكن أن يستمر الى يوم القيامة، ويتطاب الحذر منه ومواجهته وعدم التردد والخوف.