بقلم : حسين الذكر ..
منذ أن مزقت عقارب الساعة شبكة الاطمئنان ، حتى بدأ القلق يغزو الصدور ،بعد الطريق وزحمة المرور لم تعد تبريرات مقنعة ، فحلول الظلام أفسد كل الاعذار ، وكلما مضى وقت أطول زاد التوتر وخيم التشاؤم .
ــ الأم ومازالت تحتفظ باعتدال قامتها وبعض نضارتها :
(ان هذا غير معقول ، أكيد حدث له شيء غير محمود العواقب .. ثم أجهشت بالبكاء ، وهي تطالع الشارع بين الحين والحين) .
ــ البنت كانت تقف جنب الهاتف والخوف يكاد يكون قد جمد قدميها : ( .. رن .. تكلم .. هات اي معلومة عن أبي .. إن قلبي تقطع لأجله ) ، ثم اخذت تتصل بجميع أقاربها ومعارفه واصدقائه ، وقد ثبت أنهم ، لايمتلكون أي معلومة عنه : ( ربي اسألك اللطف بنا ) !!.
- الإبن كان أقلهم تشاؤماً ، ولم يفقد الأمل بعد .. وقد انزعج من لجاجة أمه وأخته اللتين صبتا جام غضبهما عليه : ( تحرك ، لاتقف هكذا كالخشبة ، ألست رجلاً… إفعل أي شيء لأجل أبيك ) .
- كفاكم ثرثرة وعويلاً ، سأخرج الى الشارع أترقبه وكلي أمل ان تخيب ظنونكم ويعود باذن الله .
في خضم هذه الاجواء المشحونة بالتوتر والغضب والخوف سمع صوت سيارة تقف بالقرب من الباب ، وبعد دقائق طرق الباب بدقات مألوفة لديهم .. تلعثم الجميع واخذوا ينظرون الى بعضهم البعض ، ثم هرولوا مسرعين نحو الباب ..
ــ من الطارق؟
ــ أنا ابوكم .. ويحكم ألا تسمعون ؟
ــ فتح الباب على أحر من الجمر .. ودخل العجوز ، فانكبوا عليه يعانقونه ويقبلونه بحرارة .. وأغرقوه بسيل جارف من الأسئلة والدموع غير المتوقفة ، فكل يعبر عن حبه وشوقه وخوفه عليه بطريقته الخاصة .
ــ هونوا عليكم يا أعزائي ، إني مجهد الان وأكيد أنتم أكثر مني اجهاداً وتعباً ، فدعونا نسد رمقنا بشيء ما ، وبعدها نتحدث ، بما نشاء .
قالت الأم :
ــ وكيف لنا ان نأكل ونشرب وأنت بعيد عنا ؟
أعقبت البنت
ــ آه يا أبتاها ، لو تعلم أين أخذتني الأفكار السوداء .. وقانا الله شرها .
وأضاف الابن :
ــ إعلم يا أبتاه ، إنك شمسنا الدائمة ، فاحرص كل الحرص على أن لا تغيبها عنا ، أكثر مما ينبغي .
عندها ردّالاب :
ــ لا بأس عليكم ، يا أحبتي وإني بخير ما دمتم كذلك ، وأرجو ان يكون ماحدث اليوم هو خير لنا جميعا.. ثم انتصب واقفاً والابتسامة تعلو شفتيه: ( اه كم اني جائع فارحموني بما أعددتم ) !
عندها ضحك الجميع وتحركت الام الى المطبخ مسرعة جذلة ، اما البنت فقد عانقت الهاتف تتصل وتطمئن كل من همهم أمر قلقهم ، فيما أخذ الابن يتهامس مع والده ، في انتظار وجبة العشاء ، وتشبعت أجواء البيت ، بكثير من التفاؤل والسرور والامل.