بلاويكم نيوز

المسرح المدرسي نافذة لإحياء الإبداع وتعزيز الولاء الوطني

0

بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

في خضم الأزمات التي تواجه المجتمعات، تصبح المؤسسات التربوية هي الملاذ الأول لإعادة بناء الإنسان. وبينما يُركز النظام التعليمي على المهارات الأكاديمية، يتناسى الكثيرون أن العقل لا يزدهر دون توازن بين الجسد والروح. في هذا السياق، يُعد المسرح المدرسي أداة تربوية شاملة، تجمع بين التأثيرات النفسية والفكرية والروحية، وتسهم في خلق أجيال قادرة على مواجهة التحديات بوعي وإبداع.

لكن المسرح وحده لا يكفي؛ فهو جزء من منظومة تربوية متكاملة تشمل الأنشطة البدنية، الموسيقية، الفنية، والزراعية. الرياضة، على سبيل المثال، لا تقتصر على تقوية الجسد فحسب، بل تحمل تأثيرًا نفسيًا عميقًا. الأبحاث الحديثة تؤكد أن ساعة يومية من الرياضة المدرسية تُقلل من مستويات التوتر لدى الطلاب، وتعزز إنتاجية الدماغ، مما يجعلهم أكثر قدرة على التركيز والإبداع. في حين أن الموسيقى المدرسية تُسهم في تخفيف القلق، وتحفيز الجانب الإبداعي، وتربط الطلاب بعوالم من الجمال والسكون الداخلي.

المسرح المدرسي، كجزء من هذه المنظومة، لا يُعنى فقط بترفيه الطلاب أو شغل أوقات فراغهم؛ إنه منصة تعليمية قادرة على التأثير العميق في شخصياتهم وسلوكياتهم. دراسة أجرتها جامعة “كامبريدج” عام 2017 أكدت أن الأنشطة المسرحية تُعزز من مهارات التواصل الاجتماعي، وتُحسن من الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، حيث يتعلمون التعبير عن أنفسهم بحرية، والتعامل مع مشاعرهم بشكل صحي، مما يُقلل من التوتر والاضطرابات النفسية.

إلى جانب المسرح والموسيقى والرياضة، يأتي درس الزراعة ليُكمل مشهد الأنشطة التربوية التي تُعزز الإبداع والتوازن النفسي لدى الطلاب…تعليم الأطفال الزراعة يُحفزهم على تطوير الوعي البيئي، ويُقوي علاقتهم بالأرض والطبيعة. في العراق، على سبيل المثال، أظهرت دراسة أن الأنشطة الزراعية المدرسية تساهم في تعزيز روح التعاون بين الطلاب وتُشجعهم على التفكير بشكل أكثر إبداعاً . كما تُعلمهم أهمية العمل الجماعي والتفاعل مع البيئة، مما يعزز حس المسؤولية تجاه وطنهم.

أضف إلى ذلك أن الرسم يُساهم في تنمية الخيال الإبداعي والتعبير الذاتي. يُساعد الرسم الطلاب على تنظيم أفكارهم والمساهمة في خلق بيئة مدرسية متوازنة نفسياً. دراسة أجرتها منظمة اليونسكو عام 2019 أظهرت أن الأنشطة الفنية في المدارس، بما في ذلك الرسم، تساهم في تقليل القلق وتحسين الصحة النفسية للأطفال والمراهقين.

إدخال ساعات مخصصة لهذه الأنشطة، مثل الرياضة، الموسيقى، المسرح، الرسم، والزراعة، يُمكن أن يُحدث تحولًا جذريًا في البيئة التعليمية. كل ساعة من هذه الأنشطة تُسهم في تحسين الصحة النفسية للطلاب، وزيادة قدرتهم على التركيز، والتفكير النقدي. فالموسيقى تُنشط مناطق الإبداع في الدماغ، والرياضة تُعزز الاستقرار النفسي، بينما الزراعة تُعلم الطلاب قيمة الأرض والطبيعة.

في الحقيقة يواجه الطلاب تحديات نفسية واجتماعية واضحة لذا يصبح المسرح المدرسي وسيلة فعالة لمعالجة هذه القضايا…المشاركة في عرض مسرحي تُتيح للطفل الفرصة لاستكشاف ذاته، وتحقيق التوازن النفسي، وتعلم القيم الوطنية. بينما تُعزز الأنشطة الزراعية في المدارس ارتباط الطلاب بالبيئة، مما يعمق لديهم الانتماء الوطني.

رغم أهمية هذه الأنشطة، الا انها لاتزال محدودة أو غائبة عن العديد من المدارس. هذا الإمر لا يُفقد الطلاب فرص التعلم فقط، بل يُفقدهم أدوات للتعبير عن أنفسهم وتخفيف الضغوط النفسية التي يواجهونها يوميًا.

آن الأوان للنظر في إعادة هيكلة المناهج التعليمية لتتضمن ساعات يومية للأنشطة البدنية، الموسيقية، والمسرحية والفنية والزراعية…. هذه الأنشطة ليست ترفًا، بل هي أساس لبناء أجيال متوازنة عقليًا ونفسيًا. المدارس ليست مصانع لتخريج الطلاب، بل ساحات لصناعة العقول والقلوب.

إن تعزيز دور المسرح المدرسي، وربطه بالأنشطة البدنية، الموسيقية، والفنية مثل الرسم والزراعة، سيخلق بيئة تعليمية تُشجع على الابتكار، وتُرسخ القيم الوطنية، وتُربي أجيالًا تستطيع التعبير عن نفسها بثقة، والإبداع بروح تفيض بالأمل. المسرح هو انعكاس للمجتمع، والرسم هو انعكاس للروح. وإذا أردنا مجتمعًا مُبدعًا ومُتوازنًا، فعلينا أن نبدأ من حيث تُبنى القيم: خشبة المسرح ولوحة الرسم المدرسية.

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط