بقلم : فراس الغضبان الحمداني …
حين وسدتك الثرى جوار أمك في المقبرة بعد عشرين عاما من الإنتظار شعرت أني أموت غير أن دفني إلى جواركما حدث مؤجل سيأتي في يوم وحينها قد يحمل جنازتي بعض أصحابي ومن يرغبون في الحسنات فيسيرون خلف جنازات الموتى المغادرين إلى الأبدية بلا عودة ، وعندها سأشعر بالأمان الذي أفتقد إليه طوال هذه السنين التي حفلت بالذكريات والألم والمشاكسات والملل والرغبة في الحصول على بعض الأمنيات الهاربة التي تسابق الريح ونفشل في ملاحقتها وهي تطارد بعضها البعض .
إعلان منتصف المقال
عندما رحلت ياولدي العزيز ولم يعد وجهك يبتسم مقابل عيني لم أستطع كبت حزني ولا كفكفة دموعي التي تنساب على جانبي الوجه الذي تحول إلى الشحوب لفرط الوجع وكأني أشيخ مثل رجل طاعن أخذته السنين غفلة وإمتصت ما فيه من قوة وعنفوان وجعلته مثل شجرة يابسة في أرض مقفرة بعيدا عن الماء تضربها الريح الحارة في صيف لاهب يلفع الأجساد ويقتل كل حياة ، وها أنا أواصل الحزن ليل نهار وأعتكف في غرفتي قرب سريرك لكني أسمع لنداءات الأصدقاء الذين يحبونني ويطالبونني بممارسة الحياة إلى حين أن يأتي اليوم الموعود الذي ألاقيك وأمك فيه وأنتما تملآن المكان بهجة وسرورا وسعادة لا تنقطع لأنها سعادة أهل الجنة .
أصحابك يا مصطفى يعاتبونني ويقولون لي إنك تستحق مني أن أجعل من ذكراك أملا ونوعا من الرغبة في فعل كل خير ومواصلة الطريق الذي كنا نسير فيه سوية ثم ها أنت تنزل عنه وتتركني لوحدي أكابده عليلا ولا أملك من عوامل القوة شيئا سوى إنني لا أريد أن يخيب أملك بي وأنت تريد أن أنوب عنك في التواصل مع أصدقائك ومحبيك الذين كانوا يضجون ويصخبون في المقاه والشوارع والدروب التي تفتقدك وتتمنى لو تعود فكل مكان مررت فيه سجل لك ذكرى على جوانبه حتى لكأنك لم تمت ولم تغادر عالمنا المسموم بالوجع واليأس والضياع ، وكأن تلك الأمكنة تحفظ وجهك ولون إبتسامتك وأنت تنحني على الرصيف لتكلم أحدهم أو لتجلس مع صديق يسليك عن وجعك ورغبتك في الرحيل حيث ترقد تلك الشابة التي هي أمك .
هل تأذن لي يا ولدي أن أعود إلى مسؤولياتي وعملي وطريقة حياتي البائسة التي أوقفني الحزن عنها حيث تكسرت وتيبست أعضاء جسدي منذ يوم رحيلك الموجوع ؟! وأعرف أنك ستسعد وأنت في عالمك الهانيء هناك وتتمنى لو تراني أبتسم وأتكلم وأعمل ولكن يا حبيبي صوفي لا أستطيع العيش بدونك فحتما سنلتقي قريبا .