بقلم : فالح حسون الدراجي …
في البدء، يجب على العراقيين أن يباركوا ويفخروا، ويشكروا الرياضية العراقية الإستثنائية، دانا حسين لفوزها بميداليتين ذهبيتين في البطولة العربية التي أقيمت في تونس قبل اسبوع، فضلاً عن تأهلها الى دورة طوكيو الأولمبية التي ستقام في اليابان بعد شهر تقريباً، وفوزها في البطولة العربية ذاتها بلقب أسرع عداءة عربية للعام 2021 ، وأسرع عداءة عراقية على مر التاريخ الرياضي العراقي النسوي..
وقد يقول البعض: وماذا يعني الفوز ببطولة عربية لا تقدم ولا تؤخر شيئاً في الخارطة الرياضية العالمية، باعتبار أن النتائج والأرقام النسوية العربية تعد أرقاماً بائسة قياساً الى الأرقام الرياضية النسوية الأولمبية أو العالمية المتقدمة جداً !
وقد يطالب البعض بطلتنا دانا بميدالية اولمبية ثانية، بعد الإنجاز الأولمبي الوحيد الذي حققه الرباع البصري (الشيوعي) عبد الواحد عزيز قبل 61 عاماً حين فاز بالوسام البرونزي في دورة روما الأولمبية، كشاهد اثبات، أو دليل على استثنائية هذه البطلة، واستحقاقها الشكر والمباركة من العراقيين.
وللحق، فأنا لن أختلف مع أصحاب هذا الرأي، فالبطولة العربية وأرقامها لا تخيف أبطال العالم، ولا تقلق أصحاب الإنجازات الاولمبية الكبار، القادمين الى طوكيو بما يحملون من منجزات فاخرة، وأرقام عالية جداً، قياساً بأرقامها العربية المتواضعة !
لكني أحب أن أعلن هنا عن احترامي الشديد، وتقديري العالي، لدانا حسين، فهذه البنت العراقية الشجاعة، التي (فازت) وتفوز وسط كل هذا الكم الهائل من الخسارات الفادحة لتستحق السلام والاحترام الكبيرين.
ولا أظن أن أحداً سيجادلني بما نتكبده نحن العراقيين من خسائر كل يوم، وكلنا يعرف أننا نتعرض الى خسائر متنوعة، بعضها سياسي، واقتصادي وأمني، وثقافي، وبعضها للأسف اجتماعي أخلاقي، يتعلق بالبنية الأخلاقية الفردية والأسرية والمجتمعية التي تهدمت وانهارت منذ عقود مضت، وتزداد انهياراً كل يوم جديد.
لذا، فإني أحترم هذه البطلة، وأود أن أذكر الجميع، بأن دانا لم تستعد للبطولة في لندن أو نيويورك أو تورنتو، مثل زميلاتها القطريات أو البحرينيات، أو غيرهن، كما لم تتح لها فرصة التدريب قبل البطولة في أي معسكر خارجي، حتى لو كان في الصومال مثلاً، والمشكلة أن مدربها العراقي السيد (كاروخ صالح) كان قد اطشعتزل التدريب قبل عامين، لكنها أقنعته بكسر قراره الاعتزالي والعودة لتدريبها.
عدا ذلك، فإن هذه البطلة التي تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها، هي ليست من (بني مازن)، القبيلة العربية المشهورة بثرائها، إنما هي من عائلة فقيرة، أو شبه فقيرة، ولا أحد منا فكر أو تساءل: كيف تدبرت هذه الفتاة حالها، وكيف تمكنت من توفير متطلباتها الغذائية والتجهيزية الخاصة، وغير ذلك من الاحتياجات الشخصية، علماً أن حكوماتنا الوطنية المتعاقبة لا تهتم بمثل هذه الأمور (الصغيرة)، خصوصاً متطلبات الألعاب الفردية، والمشاركات النسوية منها على وجه التحديد؟!.
إني لفخور حقاً بالبطلة دانا حسين، وهي تزيل بيدها (الذهبية) سخام سجلنا الرياضي المخجل، وتجمل بانتصاراتها، قبح هزائم رياضتنا، ويكفي أن نقول: إن بيننا، وبين آخر وسام اولمبي، زمناً عمره 61 عاما، بينما هناك مشايخ وامارات ودويلات صغيرة بحجم كف العراق، تأسست قبل أعوام قليلة، تملك من أوسمة الذهب الأولمبي والدولي الرياضي ما يملأ كل خزانات محلات الذهب في شارع النهر !
وعليه، دعونا نبارك لدانا حسين (الفائزة) الوحيدة في زمن الخسائر العراقية، ونشكر لها انتصارها (العراقي)، ونفخر بما حققته – لوحدها – دون سند أو أخ أو معين، وفي الوقت ذاته، نتوسل اليها أن تمضي في عنادها الباهر ، وتواصل ( سعيها المشكور) في التنافس الأولمبي غير المتكافئ، وغير العادل طبعاً، مع بطلات امريكا وجامايكا وبريطانيا ودول العالم المتقدم رياضياً، بعد تأهلها المستحق لدورة طوكيو الاولمبية التي ستجري بعد شهر تقريباً، راجياً منها أن لا تعتمد على أمل واهم، فتتأمل دعماً من أحد، أو تنتظر سنداً من حمد !
إذ يجب على دانا البطلة أن تمضي وحدها الى الأمام، وأن لا تلتفت مطلقاً الى الوراء، أو الى أي من الجانبين، عسى أن تجد أحداً يعينها، فليس لها غير نفسها، وعزيمتها، وصبرها، وعنادها السومري البليغ، ونحن واثقون منها، ومن – وحدانيتها الفريدة – التي صنعت لها لقب أسرع عداءة عربية، ومن يعلم، فربما ستحصل بعد شهر على لقب أسرع عداءة اولمبية.. ولم لا.. أليست هي عراقية المنشأ والإرث، أقصد دانا العراقية تأريخاً، وصبراً، وبنية، وجينات، وإعجازاً سومرياً فذاً ؟
سننتظرك بعد شهر يادانا، وإذا ملّ وسئم الناس من انتظارك، فسأنتظرك لوحدي، فأنا واثق فيك ومنك، ومن عراقيتك السومرية الباسلة ..
وقبل أن أختم مقالي، دعوني أشكر السيد نيجرفان بارزاني رئيس اقليم كردستان، للتهنئة الجميلة التي صاغها بتغريدة خاصة بفوز دانا حسين..
ولا أكشف سراً حين أقول، إني فرحت لتهنئة نيجرفان بارزاني كثيراً، ليس حباً بإنجاز دانا فحسب، إنما لعودة السيد نيجرفان للخيمة العراقية، وهذه وجهة نظري الشخصية، وقد يختلف معي حولها الكثير من العراقيين، كما أرجو أن لا يخذلها الأخوة الكرد غداً بقرار أو فعل سياسي متعصب، فيجعلني مادة لشماتة الأصدقاء والأعداء معاً!
بالمناسبة، البعض أخبرني أن تهنئة بارزاني لدانا حسين تكاد تكون الوحيدة التي خرجت من عموم المسؤولين العراقيين، وأرجو أن يكون الخبر خاطئاً، لاسيما وان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، سبّاق في التفاعل مع هكذا إنجازات وأحداث ومناسبات !
أكرر تهنئتي للبطلة دانا حسين، وشكري الكبير (للعراقي) نيجرفان بارزاني!