بقلم : د. منال فنجان …
عندما نتحدث عن السياسة بمفهومها الصحيح والياتها في العمل وبشخوصها كوسيلة لخدمة الدولة بشعبها وارضها وسلطاتها، فاننا نتحدث عن وسائل وإمكانيات وتخطيط وبرامج وأهداف وخطط وإدارة رسمية مسخرة لخدمة البلد وليس العكس اطلاقا
والبحث عن المصلحة هو العنوان الاول والاخر مهما كان تصنيف الدولة متقدمة او متخلفة او نامية وكل بحسب إمكانياته.
وان المراجعة الدائمة، للمواقف وتشخيص الأطراف ضمن قائمة الأعداء او الأصدقاء او المحايدين او المترددين والمصلحيين وتحديد طرق وسبل التعامل معها كل بحسب تصنيفه وبما يحفظ للدولة هيبتها وسيادتها ومصلحتها وأمانها وسلمها، اهم ما يميز السياسة والادارة ورجالاتها.
والمتابع للوضع العراقي منذ عام ١٩٧٩ إلى اليوم يجد ان العراق دفع ضريبة غالية وعزيزة ودماء تنزف منذ ذاك التاريخ لا بكونه ساحة تصفيات او ارض الحرب بالوكالة كما يقول الكثيرون متوهمين، بل لكونه ( العراق) هو المقصود بذاته وبعينه والمحل المستهدف لاعتباره بوابة سقوط المنطقة في حال اضعافه واسقاطه و مصدر قلق لمن يبحث عن أمن اسرائيل في المنطقة ويقينا أمريكا ممن يهتم لها
لذا نجد ان أيادي أمريكا في العراق من عام ٧٩ لاعبة اساسية بخيوط اللعبة في العراق واقحامه بحرب السنوات الثمان بدعم خليجي، ودفعه لاجتياح الكويت، لتسحقه بحرب دولية بتحالف يضم ٣٤ دولة بما فيها كتيبة من عصابات القاعدة من افغانستان لتنهي على كل البنى التحتية بشكل شبه كلي ومنها الكهرباء والتي ما زالت أمريكا تمسك بهذا الملف ثم إلى حصار وتجويع وافقار لم يشهد العالم له مثيل، لنصل إلى اجتياح واحتلال وما رافقها من قتل ودمار و مآسي لاسيما في جعل العراق بؤرة جذب واستقطاب الخلايا الإرهابية النائمة والناشطة من كل دول العالم
ليصبح العراق ساحة للعمليات الإرهابية باعنف وأوسع شكل وبدعم اعلامي ومالي ولوجستي خارجي وداخلي
بوجود القوات الأمريكية وعلمها ودعمها احيانا، حتى كاد الوضع ينهار بشكل سريع ومخيف، ليصبح واقع حال تتعامل معه أمريكا والمجتمع الدولي على هذا الأساس مثل ما حصل في الصومال( الدولة سابقا) عندما اجتاحتها أمريكا عام ١٩٩٣ لتحولها إلى دويلات مقسمة وزعامات متصارعةو مجموعات من تنظيمات إرهابية وعناصر جريمة وقرصنة وانقسامات مناطقية وقبلية وحكومة شكلية لا تسيطر حتى على أعضائها مكبلة بديون عملاقة غير قابلة للسدادللشركات الاستثمارية الأمريكية والأجنبي وصندوق النقد الدولي حتى باتت الدولة مرهونة بالكامل لعقود طويلة قادمة
وهذا ما كان مرسوما للعراق، لولا ابناء العراق الذين ذابوا عشقا بترابهم بلا حسابات مصلحية شخصية ولا مناطقية ولا سياسية، الذين لبوا نداء الفداء للوطن وفتوى مرجعيتهم ليشكلوا اكبر تجمع بشري يسعى للموت محبا ومندفعا لنصرة وطنه وشعبه وان كان لا يملك من هذا الوطن شبرا واحدا ولا في جيبه أجرة الباص الذي ينقله لساحة المعركة والموت
تحت مسمى الحشد الشعبي الذي قلب موازين القوة في المشهد واسقط الرهانات والسبناريوهات الامريكية وهذا ما يفسر موقفها من الحشد ومحاولتها استهدافه بشكل متكرر وواضح منتهكة بذلك سيادة العراق وحرمته والمعاهدات والمواثيق الدولية وهي بفعلها المتكرر هذا إنما كشفت عن خشيتها من تجربة الحشد واحتمالية الاستفادة منها في البلدان التي احتلتها أمريكا مثل أفغانستان التي انهار جيشها في الكثير من المناطق بشكل سريع جدا وسيطرة طالبان عليها بسهولة منذ ايام قليلة مضت وهو سيناريو الموصل ذاته.
وان استهداف الحشد وسع دائرة الرفض للامريكان و وجودهم القسري الذي كان يفترض ان ينتهي حال صدور قرار مجلس النواب برحيل القوات عن اراضينا
وان استمرار وجودهم وقتلهم لابناءنا على اراضينا بهذا الشكل الاستفزازي الصلف سيؤدي إلى فتنة لا تحمد عقباها ( وهذا ما تريده أمريكا) وعلى الحكومة ان تمثل رغبة عموم الشعب ممن دفعوا بابناءهم قرابين لهذه الأرض وتجد بمفاوضات الرحيل للامريكان عن العراق ( ورحيلهم لا يعني التصادم معهم او مقاطعتهم) لأنهم باتوا جزء كبير من المشكلة والتازم الداخلي والاقليمي في المنطقة برمتها، اذا أردنا ان نحافظ على العراق ووحدته وأمنه وسيادته.
لدماء شهداءنا العزيزة التي سالت بالأمس وما قبله
نقول لكم ايها الامريكان ارحلوا صاغرين مرغمين غير مأسوف عليكم عن ارضنا وان لم يكن بارادتكم فستطردون رغما عنها بارادتنا.