بقلم/ فراس الغضبان الحمداني …
يجبرك الماضي أن تعود إليه بالحنين ، ولكن هذا ليس صحيحا ، بل يجبرك الحاضر القبيح على أن تعود لذكريات كان البؤس فيه سيدا ، مستذكرا لحظات جمال وبراءة طفولة ، وحالات صدق نادرة وأدها الكذب المتراكم والمتلاحق الذي يطاردنا في كل مكان فتجتمع الصور الجميلة للمراجيح وللعربات والألعاب البسيطة والبالية وتتحول إلى لوحة كبيرة ومتحفا للصور في الذاكرة المتعبة التي يرهقها . إننا بحاجة إلى المزيد من ذكريات الماضي الذي لن يعود مطلقا لكننا لا نتمكن من فعل شيء إلا أن نكون جزءا من لعبة الألم والصبر والعذابات التي تحكمنا ليل نهار .
يطاردنا الماضي مثل شبح لكنه مرغوب فيه لأنه الملاذ من حرب الهموم والعذاب ووطأة الزمن الصعب والمعقد الذي يتحكم فينا ويحيلنا إلى أخشاب تنتقل من مكان إلى آخر بلا وعي ولا فهم وليس لنا إلا أن نوافق ونستمر بالموافقة على كل شيء ، فالحكام المتجبرون والفاسدون يحاصروننا والمسؤولون مجموعات من اللصوص وحتى بعض الرجال المتسلطون الذين نظنهم ملائكة هم شياطين يحاوروننا ليخدعونا ويتحكمون بنا ويمنعوننا من فعل شي وليس لنا إلا أن نوافقهم بكل طريقة ولا نعترض أبدا مهما كان حجم الألم ومهما كان العذاب ومهما كانت المصاعب .
تختلط علينا الصور وتبقى الأجمل منها صور الطفولة المعذبة والمهمومة لكنها على أية حال صور لماضي سهل يسير بريء غير معقد غير مريض لا توجد فيه أحجام كبيرة للمؤامرات ولا حكايات كثيرة عن الفساد وعن الخراب وعن الحروب والأوبئة والمعارك الجانبية والفوضى والتحكم الأسود بالموارد والناس وحركة المجتمع الذي لم يعد يهتدي لشيء سوى أن يتخبط وينهار ويتراجع ويتحول إلى غابة تحكمها الضباع وتعود ملكيتها للوحوش المفترسة ونحن فيها ضحايا مؤجلون لا نملك من أمرنا إلا أن نجلس بهدوء وعقلانية دون أن نعترض أو نتساءل عن موعد الذبح ووقت الإعدام .
الحاضر ليس ملكنا هو لهم والماضي ملكنا ولو كان مجرد خيال نسرح فيه ونهرب إليه وعلينا أن نستثمر ذلك الخيال بكل طريقة ممكنة لنحلق ونسرح مع ذكريات ذلك الزمان .