بقلم : أياد السماوي …
لم تكن المخاطر التي تعرّض لها البلد بعد اندلاع التظاهرات والاحتجاجات العارمة التي اجتاحته في تشرين عام 2019 , أعظم وأخطر من المخاطر التي يتعرّض لها البلد في الفترة الراهنة .. ولم يكن لهذه الحكومة التي تمادت وذهبت بعيدا في الفساد والتآمر على مصالح البلد ووحدته وسيادته ومستقبل أجياله القادمة , لولا الصمت المطبق للمرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف عمّا يجري من كوارث وفواجع وفساد وتخبّط لم يشهد لها البلد مثيلا في عصره الحديث ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 .. فحين تلوذ المرجعية الدينية العليا بالصمت أمام فواجع مثل حريق مستشفى بن الخطيب في بغداد الذي ذهب ضحيته 130 قتيلا قضوا حرقا , وحريق مستشفى الحسين في الناصرية الذي هو الآخر ذهب ضحيته 124 قتيلا قضوا حرقا حتى تفّحمّت أجسادهم ولم يتمّكن ذويهم من التعرّف عليهم , ومن دون أن يكلّف العاملون في مكتب سماحة المرجع الأعلى من إصدار بيان تعزيّة يعزوّن فيه الشعب العراقي المفجوع وأهالي الضحايا بهذه المصائب التي ألمّت بنا جميعا , فإنّ هذا الصمت أصبح غصّة نتجرع مرارتها من دون أن ننبس ببنت شفة أو حتى أن نفتح أفواهنا ونقول ولو بصوت متكسّر لماذا هذا الصمت ؟؟؟ .. وأقسم بعزّة الله لو كان للمرجعية موقف من فاجعة مستشفى بن الخطيب في بغداد , لما حدثت فاجعة مستشفى الحسين في الناصرية بعد أقلّ من خمسين يوما .. والمرجعية الدينية العليا هي من طالب باستقالة حكومة عادل عبد المهدي وإجراء انتخابات مبكرّة للبلاد , فكان من المفترض أن تحدّد المرجعية زمنا محدّدا لا يتجاوز السنة لإجراء هذه الانتخابات المبكرّة كما فرضت على حكومة عبد المهدي الاستقالة فورا ( خو مو حرام على عبد المهدي وحلال على الكاظمي ) ..
إنّ أهم أسباب تقاعس هذه الحكومة عن إجراء الانتخابات المبكرة في فترة أقل من سنة , هو صمت المرجعية الدينية العليا عن الهدف الذي سالت من أجله الدماء , هذا الصمت الذي لا يفهم منه إلا الهروب من المسؤولية , فالكاظمي ومن جاء به من أحزاب السلطة الفاسدة لهم مشروع آخر يتمّثل بالسيطرة والاستحواذ على مفاصل الدولة الاقتصادية والأمنية والخدمية والعمل بأقصى ما يمكن نهبه من المال العام وعقد الصفقات المشبوهة , حيث لم تكن الانتخابات المبكرّة التي طالب بها الشعب وقدّم المئات من الشهداء لأجلها جزءا من أولويات هذه الحكومة الفاسدة والأحزاب التي اشتركت معها .. وهذا مما دفع بهذه الحكومة والأحزاب التي اشتركت معها في تقاسم المغانم , للتآمر مع القوى الدولية والإقليمية من أجل تأجيل الانتخابات أو إلغائها واختلاق المبررات لهذا التأجيل .. وما يجري من فواجع وكوارث وفقدان للأمن , هو مقدمات مرحلة الفوضى والحرب الأهلية التي ستدخل البلد في نفق مظلم لا أحد يعلم متى وأين تنتهي .. فالصمت لم يعد مقبولا أبدا من المرجعية الدينية العليا التي أصرّت على استقالة حكومة عبد المهدي وإجراء الانتخابات المبكرّة .. ولا بدّ أن يصدر منها بيانا ترفض فيه أيّ تأجيل لموعد الانتخابات وتحت أي ظرف .. فمثل هذا البيان سيوقف تماما أيّة مؤامرة على تأجيل الانتخابات , وستفوّت الفرصة على أمريكا وبريطانيا وهولندا والسعودية والأمارات وعصابات السلطة التي تحكم بقبضتها على مفاصل الدولة الاقتصادية والأمنية والخدمية .. والسكوت على مؤامرة تأجيل الانتخابات لا يفسرّه سوى التواطئ مع هذه الحكومة الفاسدة .. وحاشى لله أن تكون المرجعية الدينية العليا متواطئة مع هذه الحكومة ..