بقلم : أياد السماوي …
حرم الدستور العراقي في المادة ( 37 / ج ) جميع أنواع التعذيب النفسي أو الجسدي وجميع أشكال المعاملات غير الإنسانية ، وهذا التحريم قطعي وحاسم وملزم ، واعتبر أنّ الاعترافات والإفادات المنتزعة من المتهم بالإكراه أو التهديد أو التعذيب , لا عبرة ولا قيمة لها في عملية التحقيق وجمع الأدلة وفي مرحلة المحاكمة ، ومنح الدستور العراقي الحق للمواطن المتضرر المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي الذي لحق به وأصابه وفقا للقانون .. كما أنّ القانون العراقي اعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون وفقاً لاحكام المادة (333) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي نصت على أن ( يعاقب بالسجن أوالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذّب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها , أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد) و جاء أيضاً في المادة (117) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدّل عدم جواز استعمال أيّ وسائل غير مشروعة للحصول على إقرار المتهم .. كما أنّ جريمة التعذيب من الجرائم المحرّمة على الصعيد الدولي بموجب الإعلان العالمي لحقوق الانسان .. فإذا كان الدستور العراقي والقوانين العراقية النافذة قد حرّمت وبشكل قطعي كلّ انواع التعذيب الجسدي والنفسي واعتبرت أنّ الاعتراف المنتزع من المتّهم تحت التعذيب باطلا ولا عبرة أو قيمة له في جمع الأدّلة والمحاكمة .. فكيف الأمر إذا ادّى التعذيب إلى وفاة المتّهم ؟ كما حدث مع المتّهم ( نوري مطر مربط حمد ) الذي لقى حتفه تحت التعذيب في وكالة استخبارات الداخلية ؟؟ علما أنّ السلطات العراقية قد عرضت المتّهمين في تفجير سوق الوحيلات ومنهم المتّهم نوري على وسائل الإعلام قبل أن تصدّق اعترافاتهم وأقوالهم أمام القضاء , في مخالفة دستورية وقانونية لم تحدث سوى أيام النظام الديكتاتوري السابق ..
وبالرغم من أنّ جريمة قتل المواطن نوري مطر تحت التعذيب في وكالة استخبارات أحمد أبو رغيف , قد تمّ كشفها من قبل كاتب هذا المقال وإعلانها للرأي العام والشعب العراقي عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة .. ومناشدة كاتب هذا المقال رئيس الجمهورية , ومجلس النواب العراقي , ومجلس القضاء الأعلى , ورئيس الادعاء العام العراقي , وهيئات ولجان حقوق الإنسان في العراق والأحزاب والكتل السياسية بما فيها الأحزاب السنيّة باعتبار الضحية من أهل السنّة , للتحقيق بمعرفة مصير المواطن نوري مطر الذي عرضته القناة الفضائية العراقية كمتّهم في تفجير سوق الوحيلات في مدينة الصدر , إلا أنّ هذه الجهات جميعا تقاعست عن القيام بواجباتها الدستورية والقانونية والأخلاقية , خصوصا رئيس الجمهورية وحامي الدستور الذي لم ينبس ببنت شفة , وصمت مجلس النواب المخجل , وتقاعس القضاء العراقي المريب عن القيام بدوره في حفظ القانون وفتح تحقيق علني وشفاف في هذه الجريمة التي تهددّ النظام الديمقراطي وتفتح الأبواب لعودة دولة المنظّمة السرّية وعودة حقبة البعث المجرم بثوب جديد .. فقد يتفّهم الرأي العام العراقي بواعث وصمت الأحزاب الشيعية والسنيّة التي توّرط أغلب قادتها بالفساد المالي والإداري , لكن الذي يثير القلق والخوف على النظام الديمقراطي هو صمت القضاء العراقي عن جرائم قتل العراقيين تحت التعذيب , وصمت القضاء حتى حتى اللحظة لا يفسّر إلا كونه تواطئ مع عصابة أبو رغيف المجرمة وطمطمة الجريمة .. وقد آن الأوان لقضاءنا العراقي أن يوّضح للشعب والرأي العام العراقي أسباب هذا الصمت المريب , ولماذا لا يطالب ببيان رسمي وعلني عن فتح تحقيق بملابسات هذه الجريمة وإعلان نتائج التحقيق للشعب والرأي العام العراقي , وتقديم الجناة والمسؤولين في وكالة استخبارات الداخلية إلى القضاء العراقي ؟؟ وما هو دور عصابة أبو رغيف في هذه الجريمة ؟؟ .. كما ونتسائل عن صمت هيئات ولجان حقوق الإنسان المخزي وصمت وسائل الإعلام عن هذه الجريمة ؟؟ وأخيرا ماذا بعد هذا الصمت المريب ؟؟؟