بقلم : كاظم فنجان الحمامي …
بداية وحتى لا ننساق وراء النعرات النقابية، ينبغي ان ندرك بالعقل ان فرص التدريب والتأهيل في السلك البحري متاحة لكل من تتوفر فيه شروط القبول للالتحاق بالكليات البحرية، ولا علاقة لهذه الشروط بالجنس واللون والعرق والقومية والطائفة، وينبغي ان ندرك ايضا ان العلوم الملاحية صارت لها تحديدات وتفرعات متشعبة، وموزعة على الاختصاصات والمهارات، وموزعة ايضا على التقسيمات الجغرافية إبتداءً من القوارب العاملة في المياه الداخلية، وانتهاءً بسفن الحاويات العملاقة المترددة على موانئ الجيل الرابع. .
وبالتالي هي ليست حكرا على فئة دون أخرى، وليست متاحة لمجموعة ومحرمة على مجموعة أخرى. فالكابتن (حسن علي موسى) كان من خريجي الدورة الثانية في المدرسة المهنية البحرية في السبعينيات، لكنه التحق فيما بعد بأرقى كليات الادميرالية البريطانية، وتدرج في دراسته حتى نال أعلى الشهادات، ثم توسع فيها حتى استحق درجة الدكتوراه، لكن الوزير (عامر عبد الجبار) كان متشككا بقدرات الناس، فقطع اشواطا مضنية في البحث عن صحة الصدور حتى جاءه الخبر اليقين بصحتها. .
ولكي نتوخى الدقة في تحديد ملامح الكابتن الحقيقي ونميزها عن الكابتن المزيف، نقول ان هذه الفروقات تبدأ من سنة التخرج في الكلية وحتى سنة الاحالة الى التقاعد، وما أكثر الأمثلة التي تنطبق على رجل تخرج مع زميله بنفس العام. لكن احدهما واصل عمله في عرض البحر، وخضع لبرامج التأهيل، وأفنى زهرة شبابه على ظهور السفن، بينما اعتكف الآخر في بيته، ولم يكلف نفسه مشقة الصعود على ظهر قارب صغير في شط العرب. .
ونذكر أيضا ان الكابتن (يوسف حامد بندر) خريج الدورة الاولى لم ينقطع عن العمل الميداني منذ يوم تخرجه وحتى يوم إحالته إلى التقاعد. بينما لم يعمل زميله يوما واحدا في البحر، فهل تنطبق عليه كلمة (كابتن) اسوة بالذي افنى عمره في الخدمة الفعلية ؟. .
فالتقييم الحقيقي للكابتن يعتمد على كفاءته ومهارته وقدراته الفائقة في المناورة، ومواصفاته القيادية. ومدى مواكبته للعلوم والمعارف المتجددة في المجالات البحرية. .
من نافلة القول اذكر انني كنت ضيفا على ظهر احدى السفن الحديثة في رحلة من ميناء جبل علي الى ميناء ام قصر، وكان معي قبطان كبير من مشاهير الملاحة، وحاصل على أعلى الموهلات من الكليات الألمانية، لكنه انقطع عن العمل منذ سنوات بعد إحالته الى التقاعد، فلم يكن على اطلاع بالتطورات الجديدة المتسارعة التي ارتقت بصناعة النقل البحري، كانت دهشته عظيمة عندما وقف معي في برج تلك السفينة، حيث الاجهزة الملاحية الرقمية المرتبطة بالاقمار الصناعية، وحيث الرادارات الذكية، ومعدات الاتصال بعيدة المدى، رأيته يقف حائراً مندهشا، ثم همس في إذني قائلاً: ان برج القيادة صاير مثل قمرات السيطرة في الطائرات. .
ختاما نقول: ان مجالات التأهيل البحري العالي لم تعد حكرا على أحد، وهذا الميدان يا حمدان، مع خالص تحياتي الى (ص ر ج) الذي لم يعمل دقيقة واحدة في البحر منذ تخرجه وحتى تقاعده، ويحق لنا ان نفاخر الدنيا بالربابنة الذي سجلوا اسماءهم بمداد من الذهب في سجلات الاساطيل البحرية العملاقة وكانوا نجوما متألقين متميزين متفوقين. . .