بقلم : حسن المياح ….
《 الجزء الثاني 》
نعم تحققت الفرصة الذهبية التي كانت الراقصة سونية تنتظرها بفارغ صبر ، وبالإضطراب المؤيس الممل ، حينما كانت تأن من العزلة والركود ، والفقر والخبوء ، لما لها من تاريخ خافت تعيس موبوء … فإقتطفتها ضربة حظ سيقت اليها وهي في عقر فجورها ودناءة وجودها ، وحان الحين الذي تفرض فيه شروطها ، لما عرض عليها السياسي المسؤول الفاسد عبدالحميد رأفت ما يريد من خدمة مقابل ، ما تطلبه سونية الراقصة من شروط وتأكيدات … وهذا هو الذي كانت تأمله ، فكان ….
قال لها وهو يحاورها بإرتجاف ورعشات ، خوفآ من رفضها لطلبه الذي هو يحقق صمود وثبات وجوده الحكومي كمسؤول سياسي منتفع ناهب ، حاكم سارق … ، من أن مسؤولآ كبيرآ قد جاء في زيارة الى محل وجود عمله في المكان الذي هو فيه مسؤولآ حاكمآ ، وأن هذا الضيف الطارق يحلو له أن يسهر ، وأن يتمتع ، وإن يفجر …… فأطرقت هنيئة وهي في إرتياح غامر بالسعادة والإستكبار ، ومستغرق بالمرح والإسرار ، وهو العابس الأصفر ، المقشعر المنقهر المكفهر ، وقالت له : دعنا نعمل “” عقد وثيقة شرف “” تلزمني وتلزمك ما دمنا على مشرب واحد في المصلحة ، وفي خط منفعة متفرد كاسب … فوافق مسرعآ وعلى عجل ، وقال لها هاتها … وأردفت قائلة له أن الوثيقة تنص على أن تكون لي عرابآ إعلامآ ، وسمسارآ دعاية ، وأن تخضع لما أمليه عليك ، وما أريد من شروط وقتها ، وأن تخضع لي وتستجيب لكل ما أريد وما أرغب … وهذه خدمة أقدرها لك ، وأنها أساس عقد الوثيقة … ولك مقابلها خدمة ما تحتاجه وتريده ، ويتطلبه وجودك المسؤول مما أقدر عليه من تقديم خدمة ….. قال وهو يجيبها بعجل وإهتزاز فرح ومرح ، أن نعم … وبعد .. ماذا تأمرين ، وماذا تريدين … وأخذ يجر نفسه الثقيل صعدآ بخفة وهدوء ، وإرتياح وإنسياح …. وقالت له أنا جاهزة هذه المرة لأذهب معك ، على شرط أن تأخذني راقصة فقط ، وترجعني راقصة ، ولا شيء يحدث غير هذا …. وقبل المسؤول السياسي الفاسد الذليل لتحقيق مصلحته ، ووفى بما وعد ، وأرجعها الى قواعد بؤرتها الفاسد المنبوذ سمعة سيئة ، ووجود مكوث فاجر ….
حققت للسياسي الفاسد خدمة كان يتمناها وقوعآ مستعجلآ . وإنتعش …. وكسبت هي ما أرادت … وهذه هي بداية شوط سمسرة الدعارة السياسية ، وبدء مشروع الفساد والنهب وتبادل المنافع على الطريقة المكيافيلية ، وعلى حساب ثروات الشعب المغفل السابت ، النائم الملول ، القافل الجامد ، الذي لا يعي ولا يتحرك ولا يريم ….. وتلك هي قصة وقضية الكومشنات والإستفادات ، والتسهيلات والتعبيرات ، وتبادل الخدمات والدولارات ، والتبليطات والقرنصات ، وسائر الأعمال الأخرى ، وما الى ذلك من فروض مقدمات المصلحة ، ونتائج مستحصلات وتوفيرات المنفعة ….
وقلنا سابقآ في الحلقات الماضية أن سونية الراقصة في هذه الحلقات هي رمز ربما يشير الى فنانة راقصة بعينها ، وربما الى شركة تجارية أو مقاولات ، وربما الى مقاول أو أي مهنة أخرى ، وربما الى أي توسل آخر يطمح الى كسب منفعة ودفع مضرة ، والى تحقيق أمنية مصلحة والتخلص من أي غائلة سوء ، أو نذر شؤم ، أو أي خسارة غير متوقعة ….
وقلنا من أول الأمر وبداية كتابة الحلقات أن الحقيقة هي مطابقة الفكرة للواقع ، تطابق كمال وتمام ، ولذلك قلنا أن الشيء هو أما حقيقة ، وأما خطأ ، ولا منزلة بين المنزلتين ، وكما يقول عادل إمام الممثل الكوميدي المصري ” إما أبيض ، وأما أسود ” …. ولا رمادية بينهما كما يقول المحللون للسياسة والخبر والموقف ….
وقلنا كذلك أن النقد الموضوعي هو نفس فكرة الحقيقة على أنه مطابقة الفكرة للواقع ، ولكن هذا التطابق على التشكيك ، بمعنى بدرجات مختلفة أقل من الكمال والتمام الذي عليه الحقيقة ….. بمعنى أن المطابقة متفاوتة درجة كمال ومرتبة تمام ، لما للعنصر الذاتي من تدخل وتأثير …. الذي تخلو الحقيقة من تدخله وتأثيره ووجوده عاملآ له مدخلية إشتراك في قرار ….. وعليه فالنقد الموضوعي في العمل السياسي هو مطابقة الرأي الناقد ( الفكرة ) للحدث الواقع ( الموضوع ) على سلم إختلاف درجات التماثل والتطابق التي هي دون الكمال التام …… بإعتباره تقييمآ للبناء وفق معطيات الإصلاح والتعديل ، والترميم والتغيير …..
وعملنا النقدي الموضوعي هو يتناول الموقف والحدث الذي يقوم به أي سياسي مسؤول ، وهو التقييم الصالح بعد التدقيق الملاحظ المسؤول ، والتفتيش المدقق العملي ، لنخرج برأي نقدي يتناول ما يقوم به المسؤول السياسي المكلف من عمل وتحرك وموقف …. وهذا هو ما يزعل المسؤول السياسي الفاسد لأنه يعلم أنه قد وضع تحت المجهر الذي يكشف زيفه وإنحرافه ، ونهبه وإجرامه ، وتلاعباته وإحتيالاته ……
ولنعد الى وثيقة الشرف ، وما تعنيه ، ولم تكون ، وكيفية فرضها ولزومها ، وما الى ذلك من أمور تخصها …..
الشرف هنا يعني ” الثقة ” ولما تكتب الوثيقة على شكل تعاقد بين طرفين وأكثر ، لهي الدليل القاطع ، والبرهان الساطع ، على أن هناك أزمة وإنعدام ثقة ولا إطمئنان وتأمين لمسيرة عمل وحراك ، لأن الواحد لا يثق بالآخر ، ولا يطمئن اليه ، لما في دواخله من هواجس غدر وإحتيال ، ووساوس إنقلاب وتغيير حال ، وبواعث تبديل لون وحوربة أشكال …. ، وبما أن كلمة ” شرف ” التي تدلل معنى ومضمونآ على الثقة والصدق ، والطهارة والنزاهة ، فأن المتعاقدين يلجأوون الى عقد وثيقة الشرف ، عله يستقر حالهم ، وتطمئن نفوسهم وقلوبهم بعض الشيء الواحد من الآخر …. وذلك لأن السياسة ( والعمل السياسي ) هنا هي إشعاع وأصل حاكم ومنبع قائد ، لا يمتح من معين آخر يعلوه مسؤولية ودرجة قيادة وتوجيه وإرشاد ، حتى تصفو النية ، ويذهب الكدر ، ويرتاح الواحد ويستراح الآخر …. ليس كما هو نظام الإسلام الذي تكون سياسته محكومة ( وليست حاكمة ولا قائدة ) لما هي حقيقة عقيدة التوحيد الإلهية الرسالية في “” لا إله إلا الله “” القائدة الحاكمة المسيطرة الموجهة الراشدة ……. وفي سياسة النظام الوضعي البشري بكل ما ينطوي عليه من آيدلوجية تفكير ، وعقيدة تدبير … ، أن السياسة هي الحاكمة والقائدة والموجهة والراشدة — إن كان فيها رشاد وحكمة تصرف — ، لأنها إشعاع ، وأصل حاكمية … ؛ وليست هي إنعكاس لإشعاع أعلى منها قيادة وحاكمية ، وسيطرة توجية وإرشاد ، كما هي عقيدة التوحيد الإلهية الرسالية ……
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ….
حسن المياح – البصرة .