بقلم : فالح حسون الدراجي …
يحيّون الحزب الشيوعي العراقي، فيبدؤون تحيتهم له بالقول: تحيةً لحزب الشهداء!!
وهم صادقون في ما قالوا طبعاً..
ويسلِّم عليه غيرهم فيقول:
سلاماً حزب الشرفاء النزهاء..
والوصف صحيح مليون في المئة..
بينما يحيِّيه آخرون، فيقولون:
تحيةً لحزب الفقراء.. أو لحزب الشعراء.. وهم أيضاً على حق في ما ذكروا..
وباختصار، فإن جميع هذه التسميات صحيحة وصائبة، فالحزب الشيوعي هو حزب الشهداء فعلاً، وهو حزب الشرفاء والنزهاء والفقراء والشعراء والنجباء الأصلاء.
ولا اعتراض على ذلك، لكني أتساءل فقط، وأقول:
لِمَ لم أسمع أحداً يسميه (حزب الشهيدات).. وهو الذي قدم آلاف النساء البطلات الباسلات على مذبح الحرية؟
قد يبدو سؤالي هذا غير منطقي، وغير واقعي في نظر الكثير من (الرجال)، لاسيما ونحن نعيش في مجتمع ذكوري من الوريد الى الوريد، وربما سأجد أجوبة كثيرة على سؤالي هذا.. وأول المجيبين سيقول:
ألا تعلم أن تسمية حزب الشهداء تشمل جميع الشهداء، سواء أذكوراً كانوا أم إناثاً..! فلماذا هذا التخصيص، والتمييز إذن؟
وسأجيب بحيادية تامة، وأقول: نعم، إن كلمة الشهداء تعني كل الأبطال الشهداء دون استثناء، رجالاً أو إناثاً، ولكن الأمر يختلف في العراق، فالمرأة المناضلة في كل شعوب العالم مضحية مثل الرجل تماماً.. لكنها قطعاً لن تصل الى مستوى تضحيات المرأة العراقية بشكل عام، والمرأة الشيوعية العراقية بشكل خاص. فلو أحصينا عدد النساء المناضلات في البلاد العربية، من اللائي ارتقين الى مجد المشانق النضالية وسموها، أو من اللائي تمزقت أجسادهن في مثرمات الطغاة الجهنمية.. أو من تفسخت أجسادهن في أحواض التيزاب (الأسيد) في كل البلدان العربية – وأكرر كل البلدان العربية – لما وصل عددهن الى ربع عدد الشيوعيات العراقيات من اللواتي صعدن سلم المجد بصلابة وشموخ نحو مشانق الموت الصدامية.. فتخيلوا معي أنثى، سواء أصبية كانت أم سيدة دافئة وناعمة ورقيقة مثل العطر! تصعد الى المشنقة، فتهتف قبل ذلك بحياة الشعب العراقي، وبحياة الحزب الشيوعي، ثم تموت!!
إن هذا المشهد غريب جداً على التقاليد، والقيم والثقافة المجتمعية في العراق، بل انه غريب أيضاً على قارات إنسانية مختلفة، فإعدام الرجل أمر طبيعي، لكن شنق المرأة، وتعذيبها، وتقطيع جسدها، لأسباب سياسية، أمر غير طبيعي في العراق، والبلدان العربية والإسلامية.
قد يجوز للقائل أن يضع الشهيدات في (خانة) الشهداء، ويدرجهن بهذه الكلمة الكبيرة، فيقول الشهداء وكفى! لكن لايجوز له مطلقاً أن (يمشِّي) هذا الأمر على الشهيدات الشيوعيات العراقيات، فلهذه الفئة الفريدة خصوصية، وامتياز، وأريج، وفخر، وعطر راقٍ خاص.. لذا يجب أن يعرف الجميع أن للشهيدة الشيوعية العراقية معنى مختلفاً، واستحقاقاً مختلفاً، وتكريماً لا تستحقه غيرها في كل الدنيا..
فهل تصدقون مثلاً لو قلت لكم بأن في مدينة الثورة – الصدر – وحدها أكثر من 150 شهيدة شيوعية بعضهن من الكرد الفيلية، وبعضهن نزحن مع عوائلهن الى بغداد من مدن الجنوب العراقي ، أو اولئك اللائي قَدِمن من قرى ومدن سهل نينوى، او مناطق البتاوين، وكمب الأرمن، وكمب سارة، وتل محمد وبغداد الجديدة، متخفيات مع عوائلهن هرباً من عيون الوشاة، ووكلاء الأمن المنتشرين في كل مناطق وگراجات ومقاهي وأسواق بغداد، فأقمن في بيوت صغيرة وغرف مغلقة في مدينة الثورة .. وقد كان بينهن نساء صابئيات، ومسيحيات، وحتى ايزيديات، وجنوبيات طيبات صافيات، ذوات معشر ودود وحلو هو لعمري أحلى من العسل، وأغلبهن أعدمهنَّ نظام صدام خلال حملته الفاشية ضد الحزب الشيوعي العراقي في العقدين السبعيني، والثمانيني الماضيين؟
إنني حين أذكر هذا العدد من الشهيدات الشيوعيات ومن هذه المدينة فقط، فإني أريد ان أوضح أن هؤلاء النسوة لم يستشهدنَ في التفجيرات الإرهابية، ولا في القصف العشوائي، إنما أعدمن بسبب انتمائهن للحزب الشيوعي العراقي. ولعل الغريب في الأمر، أن ثمة (رجالاً) مثل (الجبان) هادي الأعظمي، أو غيره، قد مضوا بأقدامهم الراجفة الى الدوائر الأمنية، ليدلوا باعترافات خطيرة، تسببت في إزهاق أرواح العشرات من رفاقهم، بينما نجد مثلاً البطلة عايدة ياسين (تموت ألف موته) بيد الجلادين ولا تتنازل عن مبدئها الوطني الشيوعي، فتصبح أم علي باستشهادها البطولي نموذجاً ناصعاً للمرأة العراقية..
او عميدة الشهيدات، الشيوعية الصابئية البطلة عميدة عذبي حالوب ..
في الختام أدعوكم جميعاً، للذهاب الى مؤسسة الشهداء في بغداد، لتطلعوا بأنفسكم على أسماء وأعداد الشهيدات الشيوعيات العراقيات.. وبعدها – وأنا واثق تماماً – بأنكم ستخاطبون الحزب الشيوعي العراقي مستقبلاً بمثل ما أخاطبه في مقالي هذا، حيث سنهتف جميعاً بلا اعتراض:
سلاماً حزب الشهيدات..