بقلم: كمال فتاح حيدر …
نشعر بالحزن والألم كلما استعرضنا مراحل حياتنا الوظيفية السابقة في البحر، فعلى الرغم من تراكم خبراتنا، وتحسن مهاراتنا العملية والنظرية، لم نأخد استحقاقاتنا التي أقرتها المعايير الدولية. حتى جاء اليوم الذي اكتشفنا فيه اننا أضعف مما كنا نتصور، واننا خارج الشروط والضوابط المعمول بها في البلدان البحرية المتقدمة. .
الحقيقة انني وجدت نفسي مضطرا للكتابة عن جهل الإدارات السابقة واخفاقات الموروثة بعد قرائتي لمذكرات المرشد البحري الأقدم (نعمة محمد السعدون)، الذي كان من خيرة المرشدين بكل المقاييس، والذي أستطاع ان يواصل تعليمه الجامعي بشق الانفس بسبب اعتراضات الموانئ التي قيدت أداء المرشدين في قوالب متحجرة، وحرمتهم من فرص التطوير والتجديد والتأهيل العالي. .
فالكابتن (نعمة) كان من أفضل المرشدين، وأفضل الرواد الذين حصلوا على شهادة البكالوريوس بمرتبة الشرف من جامعة البصرة، وكان من أفضل الذين تعاقبوا على إدارة قسم الإنقاذ البحري، لكنه اضطر للعمل في سنوات الجوع والحصار خارج العراق بابسط المهن البحرية وبأدنى الأجور، وليس ذلك عيباً. وهكذا تبددت أكثر من 45 سنة امضاها في إرشاد السفن المحرجة بغاطسها، وفي تنفيذ عمليات الارساء والاقلاع، وكل القصة وما فيها ان شهادته المحلية لم تكن مطابقة لبنود اتفاقية STCW. ويعزا هذا الخلل إلى غباء قادة الموانئ في مراحل التجهيل والتقهقر، وعدم إدراكها لمتطلبات التماشي مع القواعد الدولية النافذة. .
والانكى من ذلك انه عندما قام وزير النقل عام 2017 بارسال 35 مرشدا بحريا للتدريب العالي في بريطانيا، وجد نفسه متهما بعد مغادرته الوزارة، لأن الفاشلين الذين انتجتهم المراحل التعطيلية السابقة كانوا وراء تحريك الدعاوى القضائية ضد الرجل الذي صحح مسارات البوصلة المنحرفة. .
المؤسف له ان مستقبل العاملين في البحر ظل حتى يومنا هذا في قبضة المؤسسات التي رسمت خارطة الفشل، ولكي نضع النقاط على الحروف نذكر ان معظم العاملين في البحر هم الآن دون المستويات التي اقرتها المعايير الدولية. ولابد من الالتفات لهذه الثغرات من اجل نشر الوعي البحري بالأساليب الحديثة.
وما زاد الطين بلة ان المتخلفين عقليا كانوا وراء نشر ثقافة الولاءات النقابية، فتعمقت الفجوات بين العاملين في البحر، وتصدعت علاقاتهم الوظيفية، فتعرضت مؤسساتنا للترهل الوظيفي كنتيجة طبيعية لسياسة تهميش الخبراء واستبعادهم والاستغناء عنهم. .
واللافت للنظر ان الاكاديمية البحرية في البصرة هي التي توصد أبوابها الآن بوجه أي بحار طموح من خريجي المركز وتمنعه من اكمال دراسته العليا. .
نحن عندما نتكلم بهذه الصراحة فاننا نضع النقاط على الحروف، في محاولة وطنية جادة وصادقة ومخلصة لإصلاح شؤوننا البحرية المتدهورة. وانتشال مؤسساتنا من مستنقعات الفشل والتخلف. .
نرجو ان تكون صيحاتنا مسموعة، فقد تخطت اعمارنا العقد السابع، ودخلنا في سن الشيخوخة، لكننا نحرص أشد الحرص على تلافي الاخطاء الموروثة، ورسم سياسة واعية للاجيال القادمة، لكي تتحقق النهضة المنشودة. اما اذا ظل الحال على ما هو عليه، فان الفشل الذريع سيكون رفيقنا في هذا المضمار. .
ولات حين مندم. . .