بقلم: كمال فتاح حيدر ..
للمروءة درجات، اولها: مروءة الرجل مع نفسه، وهي أن يحملها قسراً على ما يجمل ويزين، وهنا لابد من استذكار قول امير المؤمنين: صُن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالماً والقول فيك جميلُ. .
ثم تأتي مروءَة الرجل مع عامة الناس، ومروءة الرئيس مع المرؤوس، والمدير مع معيته، بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الرفيع. فالمروءة كمال الإنسان، واجتماع خصال الفضائل في عمل المرء، وفي قوله، وفي سلوكه، وكل ما يحمد فعله ويطلب مُثله. .
لكن المؤسف له اننا نعيش في زمن تبددت فيه المروءات، وتلاشت فيه المفاهيم الاخلاقية، وصارت المناصب تُباع وتُشترى في دهاليز السيرك السياسي. .
اذكر ان مدير عام شركة النقل البحري السابق (عبدالكريم كنهل الموسوي) لم يكن على وفاق مع وزير النقل (عبدالله لعيبي)، وكان كنهل حاد البصر والبصيرة، ولا يرى اي جدوى من مواصلة العمل مع هذا الوزير، فقرر تقديم استقالته على رؤوس الاشهاد، وقال بالحرف الواحد: (لا أريد ان أتسبب بتعطيل مؤسسة مُنتجة وعريقة بسبب وجودي فيها، فأنا أحرص من الوزير نفسه على المال العام). .
كانت تلك صورة معبرة من صور الثبات على المبادئ الراسخة في منهاج أصحاب المروءات. لقد تخلى هذا الرجل عن منصبه مرفوع الرأس، محتفظا بمقامه وهيبته، من دون ان يمنح الوزير اي تنازل، فالمروءة في نظره طبع كريم، يترعرع مع الإنسان، والمروءة كما هي في أصل تركيبها مجموعة من مكارم الأخلاق، والمروءة من أعظم المراتب لا يحتاج المرء بعدها إلى تعريف أو تحديد. .
انتهت مرحلة الوزارة، وغادر الوزير بعد انتهاء تكليفه، لكن اسم عبدالكريم كنهل ظل محفورا في ذاكرة رجال البحر الشجعان. .
ختاماً نقول: الرجلُ ذو المروءَة يكرم على غير مال، كالأسد يهاب وإن كان رابضاً، والرجل الذي لا مروءة له يهان وإن كان غنيّاً، كالكلب يهون على الناس وإن عسَّى وطوَّف. .