بقلم: فالح حسون الدراجي …
الآن، وبعد أن انتهت ملحمة (الخليج العربي)، علينا أن نحصي مكاسبنا، ونحسب خسائرنا، كما يحدث بعد انتهاء المعارك الكبيرة.. ألم تكن بطولة الخليج العربي معركة كبيرة بكل القياسات والمعايير؟
نعم هي كذلك، لكن الفرق الوحيد في هذه المعركة، أن خصمنا لم يكن (الآخر) مثل كل مرة، إنما هو ( نحن)!
بمعنى، أن معركتنا في بطولة خليجي البصرة 25 كانت مع أنفسنا، وليس مع غيرنا.. لذلك كانت المخاطر أشد.. فإما أن نتجاوز قدراتنا، وامكاناتنا المادية والمعنوية، وننتصر على مخاوفنا وشكوكنا وترددنا، ونحقق المطلوب في مثل هذه الظروف المتشابكة، أو نفشل لا سمح الله.. !
وقد كانت نتيجة المعركة نصراً عظيماً للعراق، نصراً رياضياً تحقق عبر فوزنا بكأس البطولة بقيادة الفتى الرائع ابراهيم بايش، ونصراً أمنياً واضحاً، تحقق بقيادة وزير الداخلية الموجود في بؤرة الحدث منذ اليوم الأول للبطولة حتى بعد انتهائها، بصحبة رجال الداخلية الميامين وبقية القوات الامنية الأخرى..
وكان النصر اجتماعياً ايضاً، فقد جاء العراقيون من مختلف المناطق العراقية وغير العراقية، الى حيث بصرة الجنوب الكريمة، وقد رؤوا بأم أعينهم، روعة البصريين، وكرمهم ونبلهم، وطيبة قلوبهم، فكانت هذه البطولة جسراً وطنياً وقومياً فريداً، تلاقت فوقه جميع القلوب والافئدة والمشاعر ..
وكان نصرنا في خليجي 25 سياسياً باهراً، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي نجح في تجاوز جميع الضغوطات الداخلية والخارجية التي مورست عليه من أجل التخلي عن هذا (اللعب الخطير)، حتى أن بعضهم لم يكتف بالضغط خلف الكواليس، إنما لعبها علناً، وامام العالم كله!
ولعل النصر الأهم هو الرسالة الوطنية الموحدة التي بعث بها العراقيون من خلال هذه البطولة، الى كل الأوساط المعادية وغير المعادية، التي كانت تشكك بقدرة العراق – حكومة ونظاماً وشعباً – على تنظيم هكذا بطولات، حتى أن صوت بعض هذه الأوساط بُحّ من الصراخ، وهو يواصل (عياطه) ضدنا حتى اليوم الأخير ! لذلك – وبعد نجاحنا هذا- فإني لا أعتقد أن أحداً بعد اليوم سيجرؤ على الحديث أو حتى الاشارة من بعيد الى ضعف العراق، أو هشاشة كيانه، كما كان يدعي قبل بطولة خليجي 25، ولا يمكن أن يتحدث بشكل سلبي عن وحدة المكونات العراقية، ألم تكن الفلوجة حاضرة مع تكريت والموصل، وراوة، والخالص وسامراء والحي وتلكيف والحويجة والاعظمية والكاظمية ورانية وكميت، وسوق الشيوخ والرميثة ومختلف مدن العراق في البصرة، وكلها جاءت بقلب واحد، ومشاعر واحدة لتشارك البصرة فرح عرسها الباهر، فهل ثمة نصر أروع من هذا النصر المضيء ؟
ولعل الامر الذي يجب أن أضعه في أول المكاسب، أن كل أبناء الخليج العربي
شعوباً وحكومات، أدركوا أن العراق قلب كبير يتسع لهم وجميع العرب، وأن الشعب العراقي شعب كريم جداً، ونبيل جداً، وشجاع جداً، ومتسامح جداً، فهو لم يحاسب، أو يعاتب أحداً من أشقائه، رغم كل ما جرى في بلاده من ويلات فظيعة، وما سال على ارضه من دم غزير – والحليم تكفيه هنا الاشارة دون ذكر العبارة-! لقد عاد المواطن الخليجي لعراقه واهله، ولا أظنه سيصدق ما كان يصدقه عنه من قبل.. وفي المقابل فقد عاد المواطن العراقي لأهله وخليجه أيضاً، ولا يمكن لمخالب الشكوك والظنون أن تنال بعد اليوم من مناعة روحه القوية، وثقته بأخوته..
لقد استعاد الخليج العربي عراقه مجاناً، كما أن العراق استعاد خليجه دون أن يدفع ثمناً مالياً لهذه الاستعادة، إنما كان الحب وحده ثمن ذلك..
إذن هذه هي مكاسبنا من البطولة، فما هي خسائرنا، مادامت (المعارك) تحقق مكاسب، وتخلف خسائر؟
إن (فوزنا) باحترام وتقدير العالم، وفوزنا أيضاً بقلوب الخليجيين، له خسائر مؤجل دفعها.. وسأقول بصراحة، إن بعض الدول لن تقبل بهذه الانعطافة التاريخية في مجرى العلاقة بين العراق – شعباً وحكومة – وبلدان الخليج العربي – حكومات وشعوباً – وإن هذه الدول مستعدة لفعل أي شيء من أجل تخريب هذه الانعطافة، سواء ستفعله بيديها، أو عن طريق وكلاء !
ولو تحدثنا بصراحة عن هذه الدول باسمائها، لقلنا إن إيران وتركيا غير راضيتين بالمرة عن التطور في العلاقة بين العراق وبلدان الخليج، حتى أن بعض السياسيين والاعلاميين المتعاطفين مع هذين البلدين لمحوا الى ذلك من خلال الكثير من المنشورات، بقولهم: ” إن العراقيين لاسيما أهل البصرة بالغوا جداً في اكرام الضيوف الخليجيين والترحيب بهم”!
متناسين أن القادمين من الخليج هم ضيوف العراق وأهل البصرة، وقد قال النبي محمد : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”.
كما نسوا أيضاً أن للعراقيين سوابق عظيمة في الكرم وحسن الضيافة، ألم يكرموا في اربعينية الإمام الحسين، ملايين الزوار القادمين من ايران وباكستان وافغانستان، ودول اسلامية اخرى؟
إن العراقيين الذين أكرموا استضافة الأجانب من قبل، كيف لا يكرمون اليوم اشقاءهم أبناء الخليج ؟
لذا فإني أجزم أن ايران وتركيا لا يهدأ لهما بال، ولن يستريح لهما خاطر، وهما يشاهدان هذا الانقلاب المفاجئ، ويتابعان هذه العلاقة بين العراق والخليج العربي!
والشيء نفسه بالنسبة لبعض البلدان العربية مثل سوريا والأردن ومصر وغيرها، فهي لا تقل تحفظاً وتحسساً من هذه العلاقة، بل ان هناك أكثر من بلد في الخليج العربي نفسه غير متحمس أيضاً لفكرة التقارب مع حكومة وشعب العراق ..
والسؤال: إذن ماذا ستفعل هذه الدول لتخريب علاقة العراق بالخليج العربي؟
الجواب: ستفعل الكثير، وهي قادرة على أن تفعل ذلك، وحتماً ستظهر نتائج افعالها قريباً، إذ ربما تأخذ اشكالاً مختلفة، كإشعال الفتنة في مناطق المكون السني، وتحريك قواعدها الاحتياطية المضمومة في تلك المناطق، أو تفجير الاوضاع في مدن الجنوب الشيعي عبر افتعال حوادث قتل واغتيالات بين بعض الاطراف الشيعية المعروفة باختلافها فيما بينها، فضلاً عن تثوير الشارع الجنوبي ضد حكومة السوداني.
وتحريك الشارع البغدادي بل كل الشوارع العراقية بدعوى المطالبة بتحسين الأحوال المعيشية التي لن يعترض أحد على المطالبة بتحسينها، ولعل قضية الارتفاع الكارثي لسعر الدولار أفضل مادة يمكن استغلالها ضد الحكومة، وهي كلمة حق يراد بها باطل، إذ ليس هناك عراقي شريف واحد يقبل باستمرار كارثة الدولار..
لذا يتوجب علينا جميعاً، الانتباه والحيطة والحذر في قادم الإيام، ولن تكون النجاة إلا في الوحدة الوطنية، وتقوية أواصر الأخوة بين كل مكونات الشعب العراقي، وتفويت الفرصة على الطامعين بخيراتنا، والمتربصين بنا، وضرورة الوقوف بوجه كل من يحاول الوقيعة بين العراقيين ورص الصفوف أمام كل من يحاول النيل من بلادنا ومن مستقبل أبنائنا .. كما يتوجب على أبناء الخليج أن لا ينصاعوا لتهديد، ولا يرضخوا لوعيد، فالعراق كان ولم يزل وسيبقى ذات العراق الكريم الأبي الشجاع، ولن يبيع أشقاءه أو أصدقاءه مهما كانت الظروف .. وقد جربوا العراق مرات عدة، فكان عند حسن ظنهم في كل التجارب ..
ختاماً: لقد كسبنا من بطولة الخليج العربي الكثير، فلا تسمحوا لأحد سلبكم هذه المكاسب ..